صناعة إدارة الأصول تحتمل أزمات اقتصادية مقبلة

وسطاء ماليون في بورصة نيوريوك(أرشيفية)
وسطاء ماليون في بورصة نيوريوك(أرشيفية)

تَرجمة: ينال علاء الدين أبو زينة

مجلة الايكونوميست2 آب (اغسطس) 2014


يبدو أن الأزمات الاقتصادية تشكل جزءاً مألوفاً من الدورة الاقتصادية، إلا أنها نادراً ما تُكرر نفسها تماماً. ففي الثمانينيات من القرن الماضي، ضربت الأزمة أميركا اللاتينية، ومن ثم روسيا وجنوب شرق آسيا في أواخر تسعينيات القرن نفسه، وانتهت في آخر إحداثياتها بضربها قطاعي الإسكان والبنوك الأميركيين ما بين العامي 2007 و2008. اضافة اعلان
وفي الوقت الراهن، يخشى البعض أن تحدث الأزمات الاقتصادية المقبلة في حقل صناعة إدارة الأصول.
وتدير صناعة إدارة الأصول ما مقداره 87 تريليون دولار، ما يجعلها أضخم بثلاثة أرباع من حجم البنوك، فعلى سبيل المثال، يقوم أكبر مدير للصناديق، بلاك روك، بإدارة ما يعادل 4.4 تريليون دولار، وهو ما يفوق ما يملكه أي بنك في كشف موازنته.
وفي أعقاب التعرض للأزمات الأخيرة، شدد منظمو القوانين على البنوك، مُصرين على أن يكون لديها رأس مال أكبر وسيولة كافية لمواجهة أية ضغوطات تطرأ على المدى القصير.
لكن هذه المسألة ربما تكون مسألة جنرالات يخوضون معركتهم الأخيرة، ففي غياب إقراض البنوك، تحولت العديد من الشركات إلى السندات للحصول على الائتمانات.
كان مديرو الصناديق تسببوا بمشاكل في الماضي، فقد قاد الانهيار الذي حدث في العام 1998 في إدارة رأس المال على المدى الطويل -المتمثلة في إنشاء صندوق احتياطيات تديره بعض ألمع العقول في وول ستريت وفي القطاع الأكاديمي- إلى عملية إنقاذ شجعها مجلس الاحتياطي الاتحادي.
وتسببت عملية إنقاذ "بير ستيرنز" لصندوقين تحوطيين كانت تقوم بتشغليهما، بانهيارها في العام 2008.
وفي العام نفسه، أُجبر صندوق سوق مال تُديره مجموعة الاحتياطي على أن "يخفض في القيمة" (فارضاً الخسائر على المستثمرين)، وهو أمر دفع مجلس الاحتياطي الاتحادي إلى التدخل بالمساندة مرة أخرى.  
تسبب ذلك كله للمنظمين بالتوتر والقلق من واقع الحال؛ حيث قام مجلس الاستقرار المالي -الذي يعد الهيئة الدولية التي تحاول الحيلولة دون وقوع الأزمات الاقتصادية- في شهر كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، بنشر المناقشات التي تساءلت عما إذا كان مديرو الصناديق قد يحتاجون إلى الخصخصة أم الى المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية، وهي خطوة قد تشتمل وضع قوانين أثقل حملاً وأصعب تنفيذاً.
من جهة أخرى، يلخص تقرير حديث صدر عن بنك بريطانيا المخاوف بقوله: اولا أن صناديق المعاشات التقاعدية وشركات التأمين ربما لا تلعب دور تدعيم الاستقرار في الأسواق التي طالما كانت تلعبه فيها- مستغلة انهيار السوق على المدى القصير عبر شراء الأصول التي تبدو رخيصة الثمن، والتي يحتمل أنها تقوم بدلاً من ذلك بتضخيم الدورة الاقتصادية، نظراً للحاجة إلى تلبية متطلبات محاسبية وتنظيمية أكثر تحفظاً.
على صعيد متصل، حشدت صناعة إدارة الأصول بعض الحُجج المضادة القوية. ففي البداية، تصرف المدراء على أساس أنهم الجهة التي تحتكم على رؤوس أموال الناس الآخرين، والتي يتم الاحتفاظ بها في حسابات منفصلة (مع أطراف ثالثة تمثل الأمناء). وفي المقابل، كانت بنوك مثل "ليمان بروذرز" تتصرف وفق تكهناتها الخاصة. وفي حال تعرضت إحدى مؤسسات إدارة الصناديق إلى الإفلاس، يتم ببساطة نقل الأصول إلى المنافس مع عدم تعرض المستثمرين المعنيين للخسارة؛ حيث أن هناك مئات صناديق الاستثمار المشتركة التي تغلق سنوياً، مع أقل تأثير سوقي ممكن ودون الحاجة إلى الإنقاذ الحكومي.
ثانياً، ليست أوجه التشابه بين البنوك دقيقة، فباستثناء الصناديق التحوطية لا يميل مدراء الأصول إلى التشغيل، مستخدمين الأموال المُقتَرضة أو أسلوب الرفع المالي. وفي حين أن حجم موازنة "بلاك روك" يبلغ 8.7 مليار دولار فقط، فإنه يبلغ لدى بنك "إتش إس بي سي" ما يقارب 2.7 تريليون دولار، وهو ما يزيد عن حجم موازنة "بلاك روك" بحوالي 300 مرة. ولذلك، يُعتبر مديرو الصناديق أقل عرضة بكثير للانهيارات المفاجئة لأسعار الأصول، مقارنة بما تبين عليه الأمر بالنسبة إلى البنوك في العام 2008.
ثالثاً، هناك القليل من الدلائل التي تشير إلى أن مدراء الأصول من التيار السائد يساهمون في خلق الذعر داخل الأسواق. وفيما يخص مستثمري التجزئة، فإنهم أقل تقلباً من المؤسسات بطبيعتهم، بحيث أن العديد منهم يستثمرون عبر مساهمة محدودة في صناديق المعاشات التقاعدية، التي تسمى خطط "401 كيه" في أميركا، والذين يضخون القليل من أموالهم من خلالها في السوق شهرياً. وهذا بدوره يجعلهم لا يبالون بالتقلبات التي تحدث على المدى القصير.
 ومن جهته، يقول معهد شركة الاستثمار -وهو هيئة تجارية- أن مبيعات الأسهم لصناديق الاستثمار المشتركة شكلت في خريف العام 2008 ما نسبته 6 % فقط من حجم التداول الكلي في نيويورك.  
وأخيراً، يمكن لمدراء الصناديق المصنفة، مثل "المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية" أن تكون ذات آثار ضارة. فقد بينت نشرة مجلس الاستقرار المالي أن الحجم هو الذي يشكل المعيار الرئيسي، مقترحة عتبة 100 مليار دولار، والتي من شأنها احكام السيطرة على 14 صندوق استثماري أميركي. وقد يغفل ذلك النقطة الرئيسية: حيث يحل الاحتياطي في المركز 81 فقط بين مدراء الأصول الأميركيين، وفي المرتبة 14 بين صناديق سوق المال الناشطة. وعلى أي حال، هناك الكثير من الصناديق الضخمة التي تعرف بكونها منخفضة التكلفة مثل صندوق مؤشر "فان غارد 500"، الذي يتيح لمستثمري التجزئة انفتاحاً واسعاً على سوق الأسهم برسوم لا تتعدى 0.17% فقط سنوياً. وقد يتجلى أحد أهم عواقب المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية، في إمكانية الاحتياج إلى صندوق كي يحتفظ باحتياطي رأس المال؛ حيث أن ضريبة القيام بذلك ستنتقل إلى مستثمري التجزئة. وبالإضافة إلى ذلك، قد يتوجب على المؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية أن تدعم صندوق الإسالة المنظم، المعروف بكونه عربة الإنقاذ للمؤسسات المالية ذات الأهمية النظامية الأخرى. وبكلمات أخرى، فعندما يتجه "ليمان" المُقبل إلى الإفلاس، فإن المستثمرين الصغار في "فان غارد" يمكن أن يتعرضوا للخطر.             
في واقع الحال، لم يتم تعيين أي مدير صندوق للأصول كمؤسسة مالية ذات أهمية نظامية حتى الآن. لكنه تبين في تحذيرات آندي هالدين من بنك بريطانيا أنه "كما يمكن أن يحدثنا به أي مدير أصول يحترم شخصه، فإنه لا يمكن للأداء السابق أن يعتبر دليلاً للمستقبل. وهذا الأمر صحيح بشكل خاص على صعيد صناعة بضخامة وبتسارع التغيرات مثل إدارة الأصول، مع تحول ملفات الأصول إلى أن تصبح أقل سيولة وأكثر تماسكاً، ومع تحول سلوكيات المستثمر إلى أن تصبح أكثر تقلباً وأكثر ميلاً إلى التفاعل". وكانت نشرة حديثة تتبع لجامعة شيكاغو قد أوضحت أن: "غياب النفوذ قد لا يكون كافياً لضمان أن السياسة النقدية يمكن أن تهمل المخاوف التي تلف الاستقرار المالي".
يتمثل القلق الحقيقي في أن الرعاية، بين مدراء الصناديق، يمكن أن تقود إلى بيع واسع بشكل عام، كما حدث في سندات الرهن العقاري للعام 2008. فقد أصبحت صناعة إدارة الصناديق أكثر تركيزاً، فيما يعود الفضل فيه إلى ارتفاع عدد الصناديق الخاملة التي تتعقب بدورها مؤشراً ما، كما نمت فئة تعرف باسم "الصناديق المتداولة في البورصة" بشكل مذهل أيضاً، بأصول وصلت قيمتها إلى 2.45 تريليون دولار، مرتفعة بشكل ضخم عن ما مقداره 425 مليار دولار في العام 2005. وهذه الصناديق تتيح للمستثمرين بطبيعتها التداول خلال اليوم، حائزةً على ربع جميع الأنشطة التي تحدث في سوق الأسهم الأميركية.
يمكن أن تكون بعض صناديق المؤشرات، وخاصة تلك التي تستثمر في أسواق السندات، أكثر سيولة من الأصول التي تمتلكها. فمنذ العام 2007، نما سوق سندات الشركات بشكل كبير، إلا أن البنوك خفضت أنشطة صناعة الأسواق، وهو ما يعود في جزء منه إلى نية المحافظة على رؤوس الأموال لديها. ونتيجة لذلك، وكما أفرجت عنه دراسة أجراها "رويال بانك أوف سكوتلاند"، فإن سيولة سوق سندات الشركات تراجعت بمقدار 70% منذ بداية الأزمات.
من جهته، يعد سوق السندات أقل سيولة بطبيعته من سوق الأسهم، وذلك لأنه أكثر تبايناً. فعلى الرغم من أن شركة "جنرال إليكتريك" تمتلك 5 فئات من الأسهم فقط، إلا أنها أصدرت 1.014 نوعاً مختلفاً من السندات. وبحسب البنك المذكور، تمتلك ثلاثة فقط من أصل السندات الخمسين السائدة قيمة سوقية تزيد عن المليار دولار، وهي نسبة تعتبر أخفض بكثير من الحد الأدنى المطلوب لكي يتأهل السهم لمؤشر "إس آن بي 500"، بينما يعرف خمس جميع سندات الشركات بأنه لا يتم تداوله مطلقاً.
تشتهر صناديق سندات الشركات كثيراً في الوقت الراهن، فيما يعود السبب فيه إلى العائد الإضافي الذي توفره في العالم الذي لا يكاد النقد يساوي فيه شيئاً. لكنه يمكننا أن نتخيل بسهولة سيناريو تبدأ فيه الأسعار بالانهيار، ويسترد فيه العملاء ما دفعوه ليتركوا مديري الأصول وهم يبيعون في أسواق صعبة الإسالة.
لا يحبذ مديرو الأصول بطبعهم إظهار ضعف الأداء أمام نظرائهم، ما يجعلهم يتزاحمون على البيع أولاً. ويمكن للأسعار أن تغرق، مجبرةً سوق سندات الشركات على الانغلاق كما فعلت بالشركات المصدرة في الأسواق الناشئة صيف 2013، عندما "انفجرت نوبة غضب" نظراً لأن الانسحاب المحتمل للتحفيز النقدي الأميركي كان يمضي على قدم وساق. وكان الاقتصاد ليعاني على إثر ذلك.
قد تتمثل إحدى الاحتمالات هنا في إتاحة المجال لصناديق السندات كي تُعلق الانسحابات في أوقات الأزمات (ناصبةً "بوابات الدخول") أو لتفرض عقوبات الاسترداد، وهي القوى التي قلدها منظم أميركي لصناديق سوق المال لتوه. ويمكن أن تخضع صناديق سوق المال، من منطلق آخر، إلى مسألة هروب المستثمرين القلقين من الإفلاس، فهناك جميع الحوافز للخروج من أحد الصناديق قبل أن تمنى بالخسائر. 
في النهاية، ما يزال المنظمون عالقون بين المطرقة والسندان، حيث يقع على عاتقهم واجب أن يتوقعوا الأزمات المستقبلية، والتي قد لا تماثل نظيراتها الماضية. ولكن هذا المنطق يتطلب منهم ضبط تلك الأجزاء من الصناعة التي لم تكن مصدر المشاكل في الماضي. وقد يتمحور مكمن قلق آخر في أن الخطر قد يؤول إلى لعبة "ضرب الخلند الذي يطل برأسه خارج الحفرة"، بحيث تضربه بالمطرقة في موضع ليخرج من موقع آخر. وترجع بعض المشاكل التي يخشاها المنظمون، كمثل صعوبة إسالة سوق سندات الشركات، إلى القوانين المفروضة منذ بداية الأزمات، والتي إذا ما أثقلت الصناديق ومديريها حالياً قد تخلق ببساطة مشكلة أخرى في مكان آخر

[email protected]