صناعة الأرقام في الأردن

تملك الأرقام قوة وهيبة في معظم المجتمعات، علاوة على دورها في التخطيط والتنمية المتفق عليهما. وقد أصبحت الأرقام تشكل أداة من أدوات الإقناع وأداة للتوظيف السياسي وإدارة الصراعات الاجتماعية والسياسية، وبالفعل كلما أزداد الأفراد والمؤسسات اعتمادا على الأرقام، ازدادت قدرتهم على بناء المواقف وانتزاع التأييد، يحدث ذلك في أرقام الوقائع وصناعة المعرفة المعاصرة، كما هو الحال الأخطر في الأرقام التي تشير إلى الاتجاهات والآراء مثلما يبدو في صناعة قياس الرأي العام.

اضافة اعلان

تملك دائرة الإحصاءات العامة خبرة فنية وعلمية في إنتاج الأرقام والمعرفة الإحصائية، ما يجعلها الأكثر خبرة في المنطقة، وتحديدا في السنوات الأخيرة التي شهدت تحديثا واسعا في عمل الدائرة في المنهجيات وفي حقول ومجالات العمل، لكن تُرى ما هي الضمانات التي تتوفر للدائرة أن تبقى بعيدة عن التوظيف السياسي للأرقام، وهو السؤال الذي طرح مؤخرا من قبل أصوات عديدة. بمعنى كيف نحمي إنجازات واحدة من مؤسسات الدولة النوعية ومن أكثرها كفاءة؟ السؤال للحكومة وليس لدائرة الإحصاءات العامة طبعا.

كما يملك مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية خبرة تعد الأولى في مجالات قياس الرأي العام في المنطقة، وأنجز سلسلة من الانجازات الأكاديمية المهمة التي أخذت تبني تراكما علميا حقيقيا، السؤال البسيط والبريء للزملاء في المركز؛ ألم يحن الوقت لتطوير رؤية أكاديمية ومجتمعية لحماية مصداقية مدرسة استطلاعات الرأي في الأردن حماية من الداخل وأخرى من الخارج في بلد يوجد فيه أكثر من 250 مركزا بحثيا جميعها تدّعي البحث العلمي ومعظمها يجرب في قياس الرأي العام ويشرّق ويغرّب في استخدام الأرقام؟

يحدث ذلك أيضا في بلد تبني مستقبلها على المعرفة وتمنح الأرقام مكانة أساسية في صياغة التحديث والتغيير، بينما تتراجع كل مؤشرات الثقة والمصداقية بين الأفراد والمؤسسات، وبين المؤسسات بعضها ببعض، وبين المجتمع والدولة وبين المجتمع والسوق. الناس في الأردن لديهم شك في أرقام معدلات درجات الحرارة، ولا يصدقون أرقام معدلات الإمطار، ويكذبون أرقام أطوال الشوارع وعرضها، ونريدهم هكذا أن يصدقوا أن معدلات البطالة تتراوح في مكانها منذ خمس سنوات، وكل أسرة يضاف إليها كل عام عاطل جديد عن العمل، ونريدهم أيضا أن يصدقوا هكذا وبجرة قلم أرقام مستويات الثقة بالحكومات وبقدرتها على تحمل المسؤولية.

يجب أن نعترف بوجود أزمة معلومات وطنية لها مستويات متعددة، وتداخلات تضعف بُنى التنمية وبناء القدرات الوطنية، يعكسها ضعف بنية المعلومات في معظم القطاعات، ويبرز هذا الضعف المعلوماتي في الأداء وفي كفاءة توظيف المعلومات في قطاعات التنمية على الرغم من صورة الأردن الإيجابية في مجال نقل وتوطين تكنولوجيا المعلومات وتأهيل الموارد البشرية في هذه المجالات، وأزمة معلومات من نوع آخر تتعلق بصناعة الأرقام والانحدار الهائل في ثقة المجتمع بالأرقام الأبيض والأسود منها.

[email protected]