صندوق استثماري لإدارة الوقف

غسان الطالب*

يمكن القول إن الوقف يمثل قوة اقتصادية مُغيبة، أو إن جاز التعبير قوة اقتصادية نائمة لأسباب لا مجال لذكرها في مقالتنا هذه، ولكن مما لا شك فيه بأنه يمثل إمكانات اقتصادية واجتماعية هائلة، وهذا ما يفسر الاهتمام اليوم بالوقف من قبل الاقتصاديين والباحثين وعموم المهتمين بشؤون التنمية لما يمثله من أصل استثماري مستديم، له دوره في تكوين رأس المال المادي والاجتماعي ومساهمته في مد يد العون للطبقة الاجتماعية في المجتمع ذات العوز وما يرافق ذلك من الحد من البطالة والفقر، لهذا فإن طرح إنشاء صندوق استثماري لإدارة أموال الوقف والمحافظة عليها ووضع الخطط المناسبة لاستثمارها وتنميتها حتى تؤدي رسالتها في جميع المجالات التي تخدم المجتمع وتنمية قدراته، كذلك تنمية قطاع الصحة والتعليم وخدمة البيئة وحمايتها.اضافة اعلان
الصناديق الاستثمارية من حيث المعنى وإن اختلفت وجهات النظر فهي كما يعرفها البعض بأنها عبارة عن “وعاء يتكون من مجموعة من الوحدات الاستثمارية المملوكة لأشخاص تحت إدارة شخص مرخص له من هيئة السوق المالية”، نحن هنا لا نناقش التكييف الفقهي للصندوق الوقفي كونه لا يتعدى في مفهومه عن وعاء يضم الأموال الموقوفة على شكل وحدات، لكن العديد من الآراء الفقهية تميل للقول إن التكييف الفقهي لها يعود لطبيعة العلاقة التعاقدية بين الصندوق ومديره مع الواقفين، على هيئة شركة أو وكالة بأجر.
وللأهمية الاقتصادية والاجتماعية التي نتحدث عنها للوقف، فإن تأسيس صندوق استثماري يتولى إدارة أصول الوقف وبما ينسجم مع مبادئ الشريعة الإسلامية أصبح ضرورة ملحة حتى تأخذ هذه الأصول دورها في المساهمة في التنمية المستدامة وضرورة التعامل مع المتغيرات الاقتصادية وما رافقها من تغير في القوانين والتشريعات التي تتعلق بعمل هذه المؤسسات ونمط إدارتها، فالدعوة لتأسيس صندوق استثماري وقفي يبررها عدم الاهتمام الكافي من قبل المؤسسات الوقفية القائمة على إدارة شؤون الوقف لاعتبارات متعلقة بالشكل النهائي لملكية هذه المؤسسات، ففي الشركات العامة مثلاً يوجد هيئة عامة للمالكين أصحاب رأس المال من حقها محاسبة إدارة هذه الشركات، أو يعود سبب ذلك إلى الترهل الإداري الذي تعاني منه الجهات المكلفة بإدارته والذي يتحول في النهاية إلى بيئة خصبة للفساد الإداري والمالي في هذا القطاع ويتضح ذلك في المسائل الآتية:
- قد تتعرض هذه المؤسسات لعدم تخطيط الإنفاق بما يحافظ على أموالها سواء كان في مجال البذخ أو الإهمال أحياناً.
- عدم وضوح في العلاقة الرقابية التي تنظم وصول المعلومات بين جميع الأطراف ذات العلاقة بمؤسسة الوقف.
- تنوع الأصول العائدة لهذه المؤسسات، وطبيعة الاستثمار فيها، وخاصة القديم منها، وما يرافق ذلك من مشاكل تشريعية وقانونية.
إن الشروع في قبول الفكرة والبدء بتأسيس صندوق استثماري يتولى إدارة واستثمار أصول الوقف سوف يحقق مقاصد كبيرة وكثيرة من هذه الخطوة العملاقة في حال حصولها، لما تمتاز به هذه الصناديق الاستثمارية من شفافية عالية ولوائح تنظيمية ومحاسبية تمكننا من مراقبة أدائها ورصد الخلل فوراً في حالة وقوعه وسوف تمثل إضافة نوعية للاقتصاد الوطني وما يحتاجه من تثوير للإمكانات المالية النائمة، إضافة إلى الالتزام بالقيم الإسلامية وثوابتها في الشفافية والأمانة والعدل والسلوك الأخلاقي في تطبيق مبدأ إدارة مثل هذا الصندوق، وسيعمل بكل تأكيد على مكافحة الفساد المالي والإداري وسيعزز الثقة باقتصادنا الوطني وبكل قطاعاته خاصة قطاع الصناعة المصرفية الإسلامية الرافد الأساس والنموذج للاقتصاد الإسلامي.
قد نأتي مستقبلاً إلى الحديث عن وضع تصور للهيكل التنظيمي لهذا الصندوق المقترح، كمؤسسة مستقلة لها شخصيتها الاعتبارية، والجهات الرقابية للإشراف على أدائه.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي