صندوق النقد الدولي أيضا مسؤول

في الوقت الذي تتحمل فيه حكوماتنا المتعاقبة مسؤولية الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها في الأردن منذ سنوات، فإن صندوق النقد الدولي يتحمل جانبا كبيرا من مسؤولية ما آلت إليه هذه الأوضاع. نؤكد ذلك بمناسبة انتهاء عملية المراجعة الثانية التي قامت بها بعثة الصندوق الخميس الماضي، وصدور البيان الصحفي التقييمي للأوضاع الاقتصادية العامة في الأردن، والذي سنعود الى قراءته في مقالات مقبلة، وهذا الرأي أبلغناه لرئيس بعثة الصندوق "مارتن سيريسولا" خلال لقائنا معه الأسبوع الماضي. صحيح أن البيئة الإقليمية المحيطة بالأردن خلال الأعوام الماضية لم تكن ملائمة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي جيدة، ولكن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية لحكوماتنا المتعاقبة -التي تمت غالبيتها تحت إشراف خبراء صندوق النقد الدولي- منذ ثلاثة عقود لعبت أدوارا أساسية فيما آلت اليه أوضاع الاقتصاد الأردني، وتركزت هذه الخيارات في السياسات الضريبية وسياسات العمل وسياسات التعليم. منذ العام 1989 بدأت علاقة الأردن مع الصندوق؛ حيث تم تصميم أول برنامج "إصلاح" هيكلي للاقتصاد، لتجاوز الأزمة الاقتصادية الكبرى التي وصلت ذروتها في العام 1988، ومنذ ذلك الوقت تم تطبيق سياسات اقتصادية في إطار برامج متلاحقة تم تصميمها بشكل وثيق مع خبراء الصندوق -مع انقطاع خلال الأعوام 2005 الى 2011- الا أن السياسات الاقتصادية خلال فترة الانقطاع استمرت في إطار التوجهات الاقتصادية العامة للصندوق. رغم تعدد أسباب تباطؤ نمو الاقتصاد الوطني منذ ما يقارب عشر سنوات، فإن هنالك سببا أساسيا أضعف قدرات القطاعات الإنتاجية الأساسية على التوسع، وتمثل في ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج بسبب الضرائب غير المباشرة المرتفعة التي فرضت على السلع والخدمات وأهمها المشتقات النفطية، ما أضعف القدرات التنافسية للسلع الأردنية. وأدت هذه السياسات الضريبية الى إضعاف القدرات الشرائية لغالبية المواطنين، وبالتالي إضعاف الطلب العام على السلع والخدمات، ورافق ذلك ضغوط على مستويات الأجور في القطاعين العام والخاص، انعكس بشكل طبيعي على تعميق تباطؤ الاقتصاد الوطني. وهذه السياسات -صياغة وتطبيقا- كانت بالتنسيق الكامل مع خبراء الصندوق وتحت إشرافهم، بحجة ملاحقة العجز المزمن في الموازنات العامة للدولة. كذلك أدى التوسع في تطبيق السياسات المالية التقشفية كجزء من المبادئ التي تقوم عليها سياسات الصندوق، وبالتنسيق الكامل مع خبرائه؛ حيث تحرير الأسعار وإلغاء أشكال الدعم كافة عن بعض السلع الأساسية، وإضعاف دور الحكومة في الرقابة على الأسعار الى ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة أعداد الفقراء، والآن يطلب من الحكومة إعادة النظر في الدعم البسيط الذي يقدم على أسعار الكهرباء للمستهلكين المنزليين الصغار. يضاف الى ذلك غض الصندوق وخبرائه النظر عن الإجراءات الحكومية التي أسهمت في تعقيد البيئة الاستثمارية، وعزوف الحكومات عن تطوير سياسات اقتصادية متوازنة وتوافقية تأخذ بعين الاعتبار مصالح مختلف الشركاء في القطاع الخاص والعاملين، وتلكؤها عن زيادة فاعلية الإدارة العامة وتعزيز الحماية الاجتماعية وسيادة القانون. هذه بعض الشواهد التي تثبت صحة فرضية مشاركة صندوق النقد الدولي وخبرائه من جانب مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، وهذا يقودنا الى عدم التسليم بمقولة الصندوق إن "إصلاح" الاقتصاد الأردني أمر صعب، بعد مضي ثلاثة عقود على إشراف الصندوق على الاقتصاد الأردني.اضافة اعلان