صندوق النقد الدولي وتفاقم التفاوت الاجتماعي

على الحكومات في العالم ومن بينها حكومتنا، أن تأخذ التحذير الذي أطلقه صندوق النقد الدولي قبل أيام على محمل الجد، اذ حذر من استمرار التفاوت الاجتماعي على ما هو عليه.اضافة اعلان
هذا التحذير جاء من مؤسسة مالية - تعد من بين أكثر المؤسسات الدولية تشددا في الترويج لاقتصاد السوق الحر- يعكس حقيقة أن الاستمرار في تطبيق سياسات تحرير الاقتصادات والأسواق، وصل الى مستويات لا يمكن تحمل تداعياتها السلبية على الحمايات الاجتماعية.
يمكن القول إن هذا خطاب جديد نسبيا على صندوق النقد الدولي، وهو الذي يصمم برامجه الاقتصادية - بمسميات مختلفة - للدول التي تلجأ إليه ومنها الأردن على أسس من الحرية الاقتصادية الكاملة، وساهمت بعض سياساته المالية في تعميق التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية التي يحذر من تفاقمها، وخاصة تلك التي كانت تدفع تجاه تخفيض الانفاق العام الذي يسميه الصندوق "الهدر"، ولكنها كانت على أرض الواقع ليست أكثر من سياسات تقشفية تهدف الى تقليص الإنفاق العام الاجتماعي.
وقبل الصندوق، حذرت العديد من المؤسسات والمنتديات والخبراء الاقتصاديين، حتى إن رئيس منتدى دافوس الذي يعبر عن روح المدرسة النيولبرالية في التفكير الاقتصادي حذر قبل عدة أشهر من مخاطر استمرار هذا التفاوت الاجتماعي.
وتستند هذه المدرسة في التفكير الاقتصادي إلى ما يطلق عليه في الأدبيات الاقتصادية "سياسات إجماع واشنطن"، والتي شكلت الأرضية الأساس للرأسمالية بصيغتها الأكثر قساوة (النيولبرالية).
تدعو هذه المدرسة في التفكير إلى تحرير الأسواق من (القيود) الحكومية، وتحرير التجارة والأسعار وتطبيق سياسات مالية ونقدية تقشفية (متشددة)، إضافة إلى التوسع في الخصخصة، وتوسعت لاحقا تجاه المزيد من الضغط على سياسات العمل والحماية الاجتماعية، تحت شعار وقف (الهدر) وضبط المالية العامة.
منذ سنوات ونحن نطالب - بمشاركة العديد من شبكات منظمات المجتمع المدني العالمية والإقليمية – وفي إطار الاجتماعات السنوية واجتماعات الربيع لصندق النقد والبنك الدوليين، وغيرها، نطالب إدارة صندوق النقد الدولي وخبراءه بمراجعة السياسات التي أدت الى تفاقم التفاوت الاجتماعي، واضعفت نظم الحمايات الاجتماعية بأبعادها المختلفة، وخاصة التعليم والصحة والتحويلات المالية.
تحذيرات صندوق النقد الدولي التي أطلقها قبل أيام في إطار اجتماعات الربيع السنوية بنيت على مؤشرات دقيقة تفيد بأن الفجوة بين الأغنياء والفقراء وصلت إلى مستويات من الصعب الاستمرار فيها، وتركز الثروة المخيف وغير المسبوق لدى عدد محدود جدا من الأفراد كان على حساب توزيع الثروة العادل، وأعلن أنه سيؤدي إلى المساس بأمن واستقرار الدول إن لم تتخذ إجراءات لوضع حد له، وطالب الحكومات بالتوسع في إنفاق الدولة الاجتماعي.
منع الوصول الى حالة عدم الاستقرار يتطلب أن تراجع الحكومات ومنها حكومتنا الأردنية مجمل سياساتها الاقتصادية وخاصة المالية تجاه إعادة صياغة السياسات الضريبية، وإعادة توجيه مسارات التحصيل الضريبي وقنوات إعادة انفاقها، تجاه تخفيض الضرائب غير المباشرة، التي عمقت بشكل كبير اللامساواة الاقتصادية.
كذلك مطلوب من الحكومة إعادة هندسة إنفاقها العام تجاه مزيد من الانفاق الاجتماعي، يضاف إلى ذلك مطلوب من الحكومة إعادة النظر بسياسات العمل بشكل عام والأجور منها على وجه الخصوص، والتي ساهمت بشكل كبير في تعميق التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية، وإضعاف فرص تحقيق نمو اقتصادي شمولي.
ومطلوب أيضا من صندوق النقد الدولي ذاته، على توجيهاته التي يفرضها على الدول التي ترتبط معه باتفاقيات، بحيث تذهب تجاه تطبيق سياسات اقتصادية أكثر عدلا للتخفيف من حدة اللامساواة الاقتصادية.