صندوق النقد الدولي وزيارة الرزاز

من المتوقع أن تتناول المناقشات والمفاوضات التي سيجريها رئيس الوزراء عمر الرزاز وفريقه مع موظفي وخبراء صندوق النقد الدولي خلال الأيام القليلة المقبلة في واشنطن أولويات السياسات الاقتصادية الأردنية، وملامح البرنامج الاقتصادي الجديد؛ إذ سينتهي العمل باتفاقية التسهيل الائتماني الممدد الحالية في نهاية العام الحالي. ومن المفيد التذكير، في هذا السياق، أن الأردن ارتبط مع الصندوق باتفاقيات عدة بمسميات مختلفة، ابتدأت منذ الأزمة الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي واجهها في العام 1989 وحتى الآن -رافقها انقطاعات قصيرة- التزمت فيها الحكومات المتعاقبة بتنفيذ السياسات الاقتصادية التي قدمها صندوق النقد الدولي. القاسم المشترك بين الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات الأردنية المتعاقبة مع الصندوق خلال العقود الثلاثة الماضية، تركزت على تطبيق "وصفة" تتضمن جملة من المحاور التي تمثل أحد تجليات المدرسة "النيوليبرالية" في التفكير الاقتصادي، أطلق عليها "تفاهمات واشنطن" (Washington Consensus)، تتمثل في تقنين وضبط الإنفاق العام من خلال تراجع الدولة عن دورها والتزامها في تقديم خدمات التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الحمايات الاجتماعية، الى جانب تحرير الأسعار من خلال منح الأسواق حرية تحديد الأسعار، وتحرير التجارة الداخلية والخارجية ووقف دعم السلع الأساسية وخصخصة مؤسسات الدولة، وتطبيق سياسات عمل جاذبة للمستثمرين على حساب شروط العمل، الى جانب غيرها من السياسات ذات العلاقة. خلاصة تجربة الأردن مع برامج صندوق النقد الدولي تمثلت في أنه لم يتمكن من تحقيق الأهداف الأساسية للبرامج؛ إذ لم يتم حتى الآن تجاوز ارتفاع عجز الموازنة وارتفاع الدين العام. ومنذ بدء العمل على تطبيق هذه البرامج، يدور الأردن في حلقة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، حين نواجه أزمة كل سنوات عدة، لا بل تفاقمت الأزمات بشكل كبير وأدت الى تراجع مختلف المؤشرات الاجتماعية مثل البطالة والفقر والتعليم والصحة والنقل. إن اجتماعات رئيس الحكومة مع ممثلي الصندوق فرصة لمكاشفة الصندوق بمختلف هذه الملفات، وهي فرصة للرئيس للتأكيد أن الحفاظ على استقرار الأردن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بشكل مستدام يتطلب تغييرا في طريقة معالجة المشكلات المالية. هي فرصة أيضا للاستفادة من خطاب الصندوق الجديد والمعلن، الذي يركز على مفهوم "النمو الاحتوائي"، وهو النمو الذي تنعكس نتائجه على مختلف مكونات المجتمع، ويركز على محاربة "التفاوت الاجتماعي" المتمثلة في اللامساواة التي يعاني منها المجتمع، بما يتطلبه ذلك من التركيز على توسيع وتفعيل نظم الحماية الاجتماعية، والتوسع في المشاركة الاقتصادية وتوليد فرص العمل. وهي فرصة كذلك لمناقشة المستوى العالي من "الشرطية" التي يمارسها الصندوق، وتمثلت في إلزام الأردن بتطبيق سياسات وتدابير اقتصادية قاسية خلال السنتين الماضيتين، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية التي عانى وما يزال يعاني منها الأردن، وضرورة التزام الصندوق بمعايير المرونة الواردة في "المبادئ التوجيهية للشرطية" الصادرة عنه.اضافة اعلان