صندوق دولي لدعم "الزعتري"

مع تخطي حجم المديونية لحاجز 15 مليار دينار، وتفاقم عجز الموازنة، واستمرار الضغوط على الموارد الشحيحة، يصبح لزاما على القطاعين العام والخاص النظر بكل جدية إلى التحديات التي تواجهها البلاد في هذا الوقت العصيب، لاسيما الخارجية منها، وعلى رأسها إيواء اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 170 ألفا، وفق تصريحات رسمية.اضافة اعلان
قدمت العشائر والعائلات الأردنية عموما، خلال الأشهر الستة عشر الماضية، أنصع صفحات الكرم والطيبة، من خلال التبرع بما جادت به النفوس لأجل ترتيب أوضاع اللاجئين السوريين الذين فروا من القتل والدمار والخراب الذي يمارسه نظام بات يعد أنفاسه الأخيرة. وتكافلت مع العشائر، لاسيما في محافظتي الرمثا والمفرق الحدوديتين، مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية؛ جمعيتا الكتاب والسنة والمركز الإسلامي، وعلى الصعيد الرسمي الهيئة الخيرية الهاشمية. وتمكن الأردن من افتتاح أول مخيم للاجئين بعد 17 شهرا من عمر الثورة السورية.
اليوم، وبعد أن سُلمت المهمة بشكل جزئي لمفوضية شؤون اللاجئين عبر مخيم الزعتري، يبدو التحدي أكبر؛ إذ لم تتمكن قدرات المفوضية من تقديم ما هو أفضل من الخيام في منطقة شبه صحراوية لآلاف اللاجئين. وباعتراف مسؤولي الإغاثة الدوليين، فإن وضع المخيم سيئ من الناحية العملية. وهذا الوضع يستدعي جهدا سياسيا واقتصاديا منظما للخروج بأفضل الحلول لخدمة هؤلاء اللاجئين الذين أجبروا على هذا الامتحان المأمول أن لا يطول.
بدأت إدارة المخيم، وعبر جهود الهيئة الخيرية ومفوضية اللاجئين، بتنفيذ خطة نقل اللاجئين من الخيمة إلى بيت جاهز "كرفان" في المنطقة ذاتها. وفي هذا البيت الذي يضم خمسة أفراد، يتوفر جهاز لتبريد المياه، ومروحة كهربائية، ومستلزمات إقامة بشكل يحسن من شروط اللجوء التي تتراجع على نحو قاس في المخيم بشكله الحالي. لكن مشكلة التمويل ما تزال ماثلة. فالبيوت المتوفرة حتى اللحظة لا تتجاوز مائة "كرفان"، وكلفة الواحد منها تقارب 3500 دولار. وهو ما نوه بشأنه أيمن المفلح، الأمين العام للهيئة الخيرية الهاشمية؛ إذ إن عملية نقل اللاجئين ستتم وفقا لتدفق التبرعات الداعمة للاجئين السوريين، وبغير ذلك يصبح من الصعب تحقيق عملية الانتقال.
وإذا كنا نتحدث عن عبور بالمئات يوميا من خلال السياج الحدودي إلى الأردن، ومع ما نشاهده من تصاعد للقتل والقصف في المدن السورية، فإن المخيم يحتاج بشكل عاجل إلى ملايين الدولارات للتمكن من تقديم أفضل شروط الإيواء للعائلات، وكذلك للجرحى الذين يحتاجون مستشفى ميدانيا خاصا بهم في الرمثا أو المفرق، بعد أن امتلأت مستشفيات هاتين المدينتين بمئات الحالات، وما تزال أعداد المصابين تتزايد بالمئات.
الدعم المالي مطلوب من كل داعمي الشعب السوري الذين يعرفون جيدا حجم المحنة التي مر ويمر بها هذا الشعب الأعزل. وفي رده أول من أمس على أسئلة الصحفيين في مخيم الزعتري، أكد الناطق باسم الحكومة سميح المعايطة "أن دعم الأردن وتمكينه من القيام بهذه المهمة الإنسانية يحتاج إلى موقف من كل الدول العربية والأجنبية"؛ فالأمر لا يحتمل الانتظار، والسكوت عليه يعني بالضرورة التواطؤ ضد مستقبل الشعب السوري في هذه الفترة الاستثنائية.
الدول الخليجية قدمت، عبر مؤسسات وجمعيات مدنية، بعض الإسناد في البدايات، ولكن ذلك غير كاف. والملايين التي يتحدث عنها -حاليا- بعض السفراء الأجانب في عمان لا تغير في المشهد كثيرا. فالمطلوب هو إنشاء صندوق لإيواء اللاجئين، تشرف عليه الأمم المتحدة، ويحظى بمشاركة ودعم واسعين على المستوى الدولي. وبغير ذلك، فإن اللجوء سيكون عبئا يضاف إلى سلسة أعبائنا الاقتصادية الماثلة أمامنا بدون أن تلقى حلولا ناجعة.

[email protected]