صوت العقل

خوله كامل الكردي

على المرء أن يضع دوما العقلانية في صدارة تعامله مع كافة الأمور التي تجري حوله، وما تم طرحه من حلول إلا بسبب ترك المرء مساحة للعقل كي يفكر ويقلّب أوجه الموضوع قيد المناقشة. لقد مرت على المجتمعات البشرية العديد من القضايا والتي أسفرت عنها خلاف ونزاعات، أدت في بعض الأحيان إلى ارتفاع وتيرة حدة النزاع وعلو صوته، وما ساد الهدوء إلا بسبب إعلاء منطق العقل فوق أي منطق.اضافة اعلان
لقد بات على الإنسان أن يحكّم عقله في كل خطوة يخطوها في هذه الحياة، لتشرع أمامه أبواب التفاؤل والأمل بإعادة مراجعة ذاتية وتنشيط فكره وإقباله على العمل بكل طاقة وحيوية، فمن غير تصور منطقي وواقعي للمسألة التي بصدد إيجاد حل لها، تدخل المجتمعات في دوامة من الشك والتردد والانقسام، فالإنسان الذي يلجأ اإى إعمال عقله وتفكيره يصل إلى الاستقرار والأمن النفسي والاجتماعي، بشكل أسرع من ذلك المتردد الذي يراوح مكانه بين الحوار والشد والجذب مع الطرف الآخر، لذلك لا يستطيع أن يصل إلى قرار يساعده على وضع اقتراحات لحلول المشكلة التي تقف حجر عثرة أمامه.
صوت العقل يجب ان يسود ويعلو في مختلف القضايا التي تواجه المجتمعات البشرية، وكم حفل التاريخ بأحداث تعقدت وتأزمت، بسبب عدم وضع العقل ضمن الاولويات الرئيسية بين الفرقاء، وما من مجتمع ينبذ أفراده منطق العقل والحكمة، إلا واكتوى بنار الفوضى واختلاف الآراء، ليصل إلى حالة من التقاتل بين أفراده وبالتالي فقدان الأمن والاستقرار.
وما نراه من اشتعال الحروب، واستغلالها لأغراض خاصة لمصلحة أطراف أخرى منتفعة، كان ولا يزال معضلة حقيقية لامتناع أفراد المجتمع عن اللجوء الى العقلاء فيهم، وتفرد المستغلين والمنتفعين للمشهد، وتأليب الأفراد على بعضهم البعض، وكما المثل الفرنسي الذي يقول "التنكات الفارغة تحدث ضجيجا".
إذن بات من الأهمية في مكان، زرع الثقة في نفوس ابناء المجتمع الواحد، فالصوت الخارج عن السرب يثير حالة من الفوضى والبلبلة، ولا يخدم الا اهدافه الخاصة، فيصطنع تأييده للحوار فإذا ما انفرد مع أحد الأطراف تراه بأسلوبه المراوغ وحديثه المنمق واختلاق الأكاذيب وترويج الاشاعات، باستطاعته قلب الموازين وتغيير مجرى الأحداث برمتها.
من هنا يأتي دور العقل والمنطق وذلك باللجوء إلى طاولة الحوار على اساس النتائج والمعطيات المقدمة، لأنها نتاج التفكير المتأني المنبثق من صوت العقل، والذي ينادي دوما باعتماد مبدأ التحاور لا التنازع، وتبادل الآراء لا الاستبداد بالرأي، والأخذ بجميع الاقتراحات المبنية على الموضوعية والواقعية.