صوت الملك وطريق التغيير في الأردن

طرق جلالة الملك في حديثه مع طلاب الجامعة الأردنية أبواباً كثيرة كانت موصدة، أو تركت مواربة، وأحياناً لا يـُـقترب منها ويجري تجاهلها.
أكثر من قضية مفصلية طلب الملك من الطلاب بما يمثلونه من جيل الشباب والشابات أن لا يسكتوا عليها وأن يتصدوا لها، وأن يضغطوا لتغييرها. اضافة اعلان
العناوين التي سلط الملك الضوء عليها تفتح شهية المناقشة، فهو يدعو لمحاسبة الوزراء المقصرين وإقالتهم فوراً، وينتقد بشكل صريح تجربة الكتل النيابية التي تجمع أقصى اليمين مع اليسار، ويشير إلى أن "مجالس المحافظات" ستأخذ الدور الخدمي الذي ينشغل به النواب، ويطالب بإعادة النظر بعدد أعضاء مجلس النواب.
ويعيد الملك إنتاج حديث الإصلاح السياسي فيؤكد أن الإصلاح مرتبط بتشكيل أحزاب وطن برامجية، ويربط ذلك أيضاً بتعزيز الطبقة الوسطى في المجتمع، وبإنجاز الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.
وكان الملك قد انتقد في وقت سابق أن أوراقه النقاشية لم تأخذ طريقها للتطبيق.
المفروض أن تكون هذه العناوين مقدمة لورشة عمل حكومية، وفرصة مهمة لمؤسسات المجتمع المدني لتلتقطها لبناء حملات كسب تأييد.
 ونسأل ابتداء كيف تحاسب الحكومات الوزراء المقصرين وتقيلهم فوراً إذا كانت لا تمتلك أجندة واضحة، ولا خطة قابلة للتطبيق، ولم تضع مؤشرات لقياس الأداء حتى تتم بموجبه المساءلة؟
نعم نريد الإطاحة بالوزراء المقصرين الذين يجلسون على كرسي الوزارة ولا ينجزون ولا يتركون أثراً، وحتى يتحقق ذلك يجب مراجعة وتدقيق آليات اختيار الفريق الوزاري، لاختيار الأكثر كفاءة وقدرة على الإنجاز، لا أن تستمر لعبة تدوير الكراسي لمحاسيب وأصدقاء الرئيس، ولا أن تظل معادلات التوازن المناطقي تحكم إلى حد كبير خياراتنا.
المطالبة بالمحاسبة مرتبطة بحكومات متجانسة تملك رؤية، وموقفا، وفريقا موحدا، وهذا يعيدنا إلى فكرة الحكومات الحزبية والأغلبية البرلمانية، وهي التجربة التي لم تحدث في الأردن إلا في نهاية الخمسينيات.
وحتى نحقق فكرة بناء الأحزاب البرامجية وحكومات التناوب الحزبي التي ينتخبها الناس، ويحاسبونها على إنجازها، فإن الخطوة الحاسمة التي لا تقبل التأجيل تغيير قانون الانتخاب مرة أخرى.
المطلوب أن يخوض الناس الانتخابات القادمة تحت مظلة أحزاب، والتجارب الناجحة كثيرة، والشعب الأردني ليس أقل نضجاً، والأساس قانون انتخاب يشجع ويلزم المجتمع للانخراط بالأحزاب إن كانوا يريدون المشاركة في العملية السياسية.
ضغط الناس على النواب من الأسفل ضرورة ملحة، وفي المجتمعات الديمقراطية تعتبر هذه الآلية أساسية لدفع النواب لتبني مطالب الناس، وفي بلادنا الشارع مقتنع أن مجلس النواب ليس مستقلاً، والنواب في الغالبية يدورون في فلك الحكومة، وربطوا مصالحهم مع مصالحها، ولذلك فالأردنيون يعتقدون أن أثر جهودهم لتغيير اتجاهات ومواقف النواب محدودة إنْ لم تكن معدومة، ويتساءلون- وهم على حق- لماذا تذهب الحكومة إلى هذه القرارات أساساً وهي لا تحظى بالقبول الشعبي والرضى، لماذا لا تمثلنا الحكومات ولا تشبهنا ولا تتبنى قضايانا ولا تسمع صوتنا؟!
المشكلة في الأردن أعمق من برنامج يقدم تصورات لحلول ناجعة، المشكلة بنيوية، فأي برنامج مهما كان خلاقاً لن يمضي ولن ينجح إذا كانت الأدوات التي تقوده فاشلة وغير مؤهلة للنجاح.
وذات الأمر ينطبق على الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد، ففي ظل التحديات الاقتصادية كيف نقنع الناس بالتضحية والصبر وهم يرون الترهل الإداري والبطالة المقنعة، والفساد الكبير الذي لا يحاسب أصحابه، والتهرب الضريبي لرجال الأعمال والشركات الكبيرة ولا يدفع الضريبة إلا الموظف "المسخم"؟
كيف نريد أن نحقق إصلاحاً إدارياً ومبادئ سيادة القانون تنتهك ، ولا يطبق القانون ولا تعرف العدالة الناجزة طريقها حين تلاحق أصحاب النفوذ، في حين زاجرة آمرة على "الغلابى".