صورة نصف مائلة

اقتربي أكثر من صورتي التي نسيتُها تلك الليلة نصف مائلة على الخليج. خطوةٌ واحدةٌ ربّما لا تكفي، خطوتان أيضا وقد أكونُ في الصورة مغبشاً مثل دمعةٍ في صباح رطب، وحين أبدو غامضاً وملامحي سرها في الماء، لا تجتهدي في تفسيري. يمكنكِ فقط أنْ تكتفي بالنظر المحايد إليّ، و"أعيدي النظر"؛ أعيديه إليّ!اضافة اعلان
أنظر بشكٍ إلى صورتي نصف المائلة في الخليج. لستُ هو، هذا الذي ينظر من الماء إلى السماء، كأنّه مقتولٌ في لحظة شرودٍ، أو كانَ يتذكّرُ صورة منزوعة من العائلة.. لا أتذكّرني سوى في صورة رخصة القيادة، كنتُ قلقاً وتنقصني الثقة في قيادتي، ولا أعرفني سوى في بطاقة التأمين الصحيِّ، كنتُ عابساً، مريضاً، وأخشى فأل الضحك والشفاء، لا أشبهني سوى في صورة الأحوال المدنية الأولى، كنتُ سارحاً، وغير متأكّدٍ أنها الحياة!
كنتُ مقيماً في ألبوم الصور، أقف في صورة بجانب أبي وهو يقرأ كتاباً اشتراكياً، وأركض وراء غناء أمي لاستدراج الطيور على شرفة ترى الشمس، وقفتُ في الصفِّ الأخير بين طلاب الصف الأول، بشعرٍ خروبيّ، وخجل في الملامح من الابتدائية المتأخّرة، وتوسطتُ أشقائي في صورة جماعيّة لغايات السفر عبرَ الخليج، ثم سافرتُ وحدي بصفة "غريب"، ولي الآن صورة نصف مائلة على الخليج.
تأملي ملامحي، قد يبدو الخليج بها عابساً، ربّما تشعرينَ أنّها كثيرة التعقيد والتجاعيد، وستحتارين في تحديد العلامات الفارقة، هي خمس فقط أمّا السادسة فلتميزني عني حين أبتسِمُ للخليج، وهناك أيضاً عيبٌ خلقي مستتر، وآخر مرئيٌ مكانَ الشاربين. أعرفُ أنّكِ محتارة، وربما تقولينَ في يأس: "أنتَ غامضٌ"، وسأهزُّ رأسي بالرضا والوضوح، الوضوحُ يجعلني مثل برتقالة مقشّرة. لا تصلح للنظر!
لا تحتاري في وصفي، هل يمكنكِ أنْ تصفي الدمعَ. أن تقولي هو حبّةُ بَرَدْ، أو ماءُ نارٍ، كما يُسعفكِ الغناء الشعبيُّ، أنا أيضاً الدمعُ الذي لم تُعرِّفه الفصحى، تأمّلي ملامحي حين يبدو الخليجُ ضاحكاً، هل يمكنكِ أن تصفي الضحك، أنْ تقولي إنّه الشمس في السابعة صباحاً، أو مساء، أنا أيضاً الضحكُ الذي فرّ من شمس الظهيرة.
ولا تحتاري في تأويلي، اقتربي أكثر من صورتي التي نسيتُها تلك الليلة نصف مائلة على الخليج، وأوصيك بألا تستعيني بما قيلَ من الشعر الحرِّ في وصف الغرباء، فكلُّ الشعر الذي اجتهدَ في وصفِ البحرِ لمْ يقل إنّهُ ماء مالحٌ. اقتربي أكثر، خطوة واحدة ربّما لا تكفي، خطوتان ولن تبقي على اعتقادكِ بأني أشبه أحداً، فلم آت إلى هنا إلا عندما تأكدتُ من نفاد نسخي الأربعين!