صور المرضى على ‘‘فيسبوك‘‘: استباحة للخصوصيات ام استجداء للعواطف!؟

هنالك صور تبقى خاصة ولا ينبغي مشاركتها على مواقع التواصل- (ارشيفية)
هنالك صور تبقى خاصة ولا ينبغي مشاركتها على مواقع التواصل- (ارشيفية)

مجد جابر 

عمان- “أمي قبل الدخول إلى العملية ادعو لها بالشفاء”، “ابنتي الغالية ترقد بسرير المستشفى انشاء الله فيي ولا فيكي”.. “والدي يدخل عملية خطيرة، دعواتكم”.. “أخي في غرفة العناية المشددة الآن بوضع حرج”..اضافة اعلان
بهذه العبارات ترتشم صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يومياً مع صور لأشخاص مرضى يرقدون على سرير الشفاء، محاطين بالأجهزة الطبية، وفي أوضاع صحية صعبة. وتظهر من خلال الصور أحيانا “انتهاك” لخصوصية هؤلاء المرضى وعدم مراعاة لمشاعرهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا تظهر في احيان كثيرة مشاعر الحزن على المريض من خلال الصور التي تنشر احيانا بقدر ما يظهر “استجداء” للعواطف، وانتظار تعليقات الاصدقاء على الصورة وعدد اللايكات، ومدى التفاعل ومشاركة الحزن بعد نشرها، كما يرى اختصاصيون.
الثلاثيني عمرو عيسى اضطر في احدى المرات بحذف أحد أصدقائه من “فيسبوك” والسبب هو أنه قام بتحميل صورة جده وهو على سرير الموت بمشهد محزن ومؤلم ولا يجوز على الاطلاق أن يصوره به، خصوصاً أنه رجل كبير وله خصوصيته، حيث علق على الصورة “جدي حبيبي في حالة حرجة، اطلبوا له الرحمة”.
ذلك التعليق أثار استياء عمرو، وشعر باستهتار صديقه، وعدم حرصه أن يبقى مرض جده والدعاء له ضمن نطاق العائلة، وليس استباحة الخصوصيات بمثل تلك الصور.
عمر ليس وحده الذي يستاء من تلك التصرفات على مواقع التواصل الاجتماعي. هند هي واحدة أخرى تستاء من إحدى صديقاتها التي كلما حدث شيء لأي شخص من عائلتها ودخل المستشفى تقوم على الفور بتصويره ومشاركتها على “فيسبوك” مرفقة اياه بعبارات مثل “دعواتكم”، “انا خايفة يصرله شي”، “وضعه الصحي حرج” وغيرها من كلمات تستجدي فيها المتابعين، مبينة أنه بنظرها لا يمكن لشخص متأثر فعلا أن يكون لديه وقت لتصوير المريض وكتابة هذه العبارات.
وتضيف أنها تعتبر ذلك استعراض ورغبة في كسب تعاطف الناس والتعليقات واللايكات لا أكثر ولا أقل، وهي مشاعر خالية من أي حب أو حتى تأثر بحالة المريض الراكد على سرير المستشفى.
بيد أن الأربعيني أبو صلاح يرى أن نشر صور الأهل أو الأقارب المرضى على مواقع التواصل أمر ليس سلبي، ولا هو استجداء للعواطف، بقدر ما هو تعبير عن مشاعر الشخص لحزنه على احدهم، فنشر الصورة أملا بتلقي أكبر كم ممكن من دعوات الناس له والتخفيف عنه مصابه. ويلفت إلى أن من لا يرغب أن يرى مثل تلك الصور عليه ان لا ينتقدها، لانها مهمة لكثيرين ممن يشعرون بالراحة من كلمات الناس التي تخفف عنهم وترفع من معنوياتهم، وتدعو لهم.
ويتجاوز عدد مستخدمي “فيسبوك” في الأردن الأربعة ملايين مستخدم، وحوالي مليون مستخدم لموقع “انستغرام”، وتقريباً مليون حساب على تطبيق “سناب شات”، وهذه الأرقام مرشحة للزيادة خلال الفترة المقبلة، وذلك مع الانتشار المتزايد لاستخدام الهواتف الذكية في الأردن، والتي تقدر أرقام رسمية بأنها دخلت بيوت 70 % من الأسر الأردنية، وتعد هذه الشبكات الأكثر استخداما من قبل فئة الشباب.
ويذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي الى أن من الاستخدامات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي انها استباحت الخصوصيات واقحمت الناس بالاضطلاع عليها.
بالرغم من أن هذه الخصوصية تتعلق فقط بمناسبات أسرية على نطاق ضيق، لكن الاستخدام الخاطئ وعدم الفهم الصحيح جعل الناس لا يميزون بين العام والخاص، إلى جانب أنه نوع من أنواع الغيرة والعدوى والتقليد الأعمى الذي يلعب الدور الكبير في ذلك، بدون ادراك النتائج الناجمة عن مثل هذا السلوك.
ويشير إلى أن بعض المناسبات لا تستدعي مشاركة الناس فيها، خصوصاً المرضى، وقد تمثل هذه المناسبات عتب واحراج بين الناس لأنه قد تم الإعلان عن هذه الحادثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويضيف ان مثل هذه الصور والأخبار تزيد على سبيل المثال، من قلق اقارب أو اصدقاء الشخص الذي يرقد على سرير الشفاء ممن يعيشون في الغربة بسبب تضخيم وتهويل الأمور التي تكون لا تحتاج لكل ذلك.
الاختصاصي النفسي والتربوي د.موسى مطارنة يقول إن مثل تلك الصور هي خاصة جدا ولا ينبغي مشاركتها على الاطلاق . ويعتبر أن الشخصية التي تقوم بمشاركة هذا النوع من الصور هي شخصية “استعراضية”، ولا يكون القصد منها أي نوع من الحنين أو الحب على الاطلاق، وينبغي عدم مشاركة الناس هذه الصور فذلك استعراض سلبي، وبث طاقة سلبية للمتابعين ولا يفيد المريض بشيء ولا تعطي أي احساس ايجابي.
ويشير الى أن استباحة خصوصية المريض ليس بالأمر الجيد، كون الأصل المحافظة على هذه الخصوصية واحترام المريض وقيمته ومكانته، ونشر هذه الصور يعتبر تجاوزا لكل هذه القيم وعدم احترامها.
ويعتبر مطارنة أن تلك الشخصيات، “غير متوازنة ولا واعية”، لذا يجب التعامل مع الأشياء بنضج أكبر وعدم التفاعل أو التعليق على مثل هذه الصور، لافتا الى أن مواقع التواصل الاجتماعي هدفها تقديم ثقافة ووعي ومرح وليس لأغراض أخرى.