صيانة المدارس الحكومية.. اضطراب ببوصلة الإنفاق

الرسم الأول- صيانة المدارس _ Flourish
الرسم الأول- صيانة المدارس _ Flourish
يكشف هذا التحقيق المدفوع بالبيانات عن تراجع الإنفاق على بنود في صيانة المدارس الحكومية في الأردن خلال العقد الماضي. كما يرصد انخفاضا في الإنفاق على صيانة وإصلاحات الأبنية لسنوات ماضية، مستندا إلى تحليل موازنة وزارة التربية والتعليم الأردنية للفترة 2010 - 2021. تحقيق: منى أبو حمور- "قتلوا فرحة بنتي والطلاب بالمدرسة عشان باب، طيب ليش ولمين نشكي"، قالتها وفاء البلعاسي وهي تروي قصة أول يوم دراسي لطفلتها الصغيرة حلا محيلان ذات الأعوام الخمسة. تقول البلعاسي إنها حضرت صبيحة أول يوم دراسي في الأول من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي رفقة ابنتها إلى المدرسة، التابعة لوزارة التربية والتعليم، والواقعة في محافظة المفرق بإقليم الشمال. توجهت الأم إلى إغلاق بوابة المدرسة، لكن طفلتها حلا طلبت أن تقوم بذلك بنفسها. حاولت الطفلة إغلاق البوابة ممسكة بمقبضها، لتجد نفسها بعد ذلك ملقاة على الأرض وقد استقرت البوابة فوق جسدها الصغير، بحسب ما أوضحت والدتها التي تعمل معلمة في روضة المدرسة.

بوابات غير آمنة

"البوابة المفروض إنها آمنة، ما كان عندي أدنى فكرة إنها خطرة، الطلاب بيفتحوا عادي البوابة وبيدخلوا"، تقول البلعاسي. حاولت الأم رفع البوابة فيما كانت الطفلة تطلق صرخات من الألم. لم تتمكن البلعاسي من مساعدة ابنتها لحين حضور شاب من الحي قام برفع البوابة عن الصغيرة، وفق ما أشارت. أُدخلت حلا إلى مستشفى البادية الشمالية الحكومي ليتبين أنها مصابة بكسور متعددة في الحوض وشَعرٍ في المرفق الأيسر، بحسب تقرير الإجازة المرضية الذي حصل عليه ذو الطفلة من المستشفى. أشارت البلعاسي إلى أن مسؤولا في وزارة التربية والتعليم الأردنية نفى أن يكون اسم طفلتها مدرج في قوائم المدرسة، في حين أكدت الأم أن ابنتها مسجلة على "التسجيل المبدئي" منذ شهر أيار/ مايو الماضي، ووقع الحادث في أول يوم دراسي للطفلة. لم تكن حلا الوحيدة التي تضررت من سقوط بوابة مدرسة تتبع وزارة التربية والتعليم في الأردن، إذ تكررت حوادث سقوط بوابات المدارس التابعة للوزارة في عدد من المحافظات. يقول هشام الخلايلة إن ولده ماجد تعرض في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 لحادث بسبب سقوط بوابة المدرسة فوق جسده. أُصيب الطفل بكسور وكدمات في أنحاء مختلفة من جسده. يدرس ماجد في مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم في محافظة الزرقاء التابعة لإقليم الوسط. تعيد الحادثتان الأخيرتان إلى الأذهان حوادث مشابهة، لكنها وقعت في ظروف مختلفة. توفي طالب في مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم في محافظة إربد في عام 2016، نتيجة ما لحق به من تلف دماغي ناجم عن سقوط البوابة الحديد لمدرسته فوق جسده. أكدت محكمة استئناف إربد التي نظرت في قضية وفاة الطالب مسؤولية وزارة التربية والتعليم عن التعويض عن الضرر الذي لحق للمستحقين وفقًا لأحكام المادة (1/288) من القانون المدني، بحسب قرار المحكمة الصادر في حزيران/ يونيو الماضي. وألزمت المحكمة وزارة التربية والتعليم -بالتكافل والتضامن مع مدير المدرسة- بدفع تعويض للمستحقين يبلغ نحو 75 ألف دينار أردني بسبب ما لحق بهم من ضرر. كما تعرض طالب آخر عام 2019 في مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم بمحافظة الطفيلة لكسور في الجمجمة والفقرات، نتيجة سقوط باب مدرسته -ارتفاعه نحو مترين- فوق جسده. اعتبرت محكمة الاستئناف التي نظرت في قضية تعويض ذوي الطالب أن المدرسة وموجوداتها تحت حراسة وزارة التربية والتعليم، وأن الباب الحديد بحاجة الى عناية خاصة للوقاية من الأضرار التي قد يلحقها بالغير، وهي لم تقم باتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع الباب من السقوط.

بماذا تخبرنا الموازنة؟

يكشف تحليل موازنة وزارة التربية والتعليم الأردنية عن أن نفقاتها الجارية زادت في الفترة بين 2010 و 2021 بنسبة 75 في المئة. ومع ذلك تراجعت حصة الصيانة من تلك النفقات بنحو 36 في المئة. تشمل الصيانة في بند النفقات الجارية: الأثاث والآلات ولوازمها، والسيارات والآليات ولوازمها، في حين يُنفق على صيانة وإصلاحات الأبنية بشكل رئيس من بند النفقات الرأسمالية، ويخصص جزء ضئيل من النفقات الجارية لهذا الغرض.. وبحسب التحليل، تراجع الإنفاق على صيانة الأثاث والآلات في برامج التعليم المختلفة بنسبة 37 في المئة خلال الفترة ذاتها. شمل تحليل البيانات برامج التعليم الثانوي والتعليم الأساسي ورياض الأطفال والتربية الخاصة، بالإضافة إلى برامج النشاطات التربوية والاجتماعية والرياضية. ظهر برنامج التعليم الأساسي الأكثر تأثرا بخفض مخصصات صيانة الأثاث والآلات، إذ تراجعت قيمتها إلى النصف منذ العام 2010. تشكل شعب التعليم الأساسي غالبية الشُعب الدراسية التابعة لوزارة التربية والتعليم، تليها شعب التعليم الثانوي الأكاديمي. توجه النفقات الرأسمالية إلى زيادة التكوين الرأسمالي للحكومة، وهي تشمل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية وتشغيلها و إدامتها. أما النفقات الجارية فهي النفقات المتكررة التي تُمكن الحكومة من أداء مهامها. ومع ذلك تظهر تقارير موازنة الوزارة أن الأخيرة تنفق على الصيانة وإصلاحات الأبنية المدرسية من النفقات الرأسمالية، وليس من النفقات الجارية. زاد الإنفاق على صيانة وإصلاحات الأبنية من النفقات الرأسمالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بعد تراجع استمر أربعة أعوام متتالية.

خطر فوق الرؤوس

تكررت حوادث سقوط المراوح في المدارس الحكومية في السنوات الماضية، وفق ما نشرته وسائل إعلام محلية. ففي مطلع العام الدراسي 2020، سقطت مروحة على طالبتين في مدرسة تقع شرق عمان. وفي 2016 وقع حادث مشابه فوق عدد من الطالبات في مدرسة بمحافظة البلقاء، تسبب بإصابات لعدد منهن في الرأس والكتف وحالات هلع وخوف. لم تقتصر حوادث سقوط الأجسام من الأعلى على المراوح، إذ انهار سقف مدرسة في محافظة البلقاء ليلا ما حال دون وقوع إصابات بين الطلبة. وقعت الحادثة في مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم في عام 2014. وقع الأمر في العام التالي في مدرسة أخرى تابعة للوزارة في محافظة المفرق، إذ سقط سقف إحدى الغرف الصفية أثناء عطلة نهاية الأسبوع.

الصيانة والبيئة الآمنة

يوضح خبير الطفولة في مواجهة العنف هاني جهشان أنه لا يجوز انتقال الطالب والمعلم إلى البيئة المدرسية قبل التأكد من سلامة البنية التحتية، مشيرا إلى أن ذلك من مهام مديري المدارس ومديري التربية: "هناك مخصصات لهذا الأمر، ولا بد من القيام بذلك قبل بدء العام الدراسي". ويضيف: "إذا تتبعنا الحوادث والإصابات التي حدثت في السنوات السابقة، نجد أن هناك سوءا في البنية التحتية وعدم متابعة الصيانة الدورية لهذه المرافق، وخاصة أبواب المدارس الخارجية". يُناط بإدارة الأبنية والمشاريع الدولية في وزارة التربية والتعليم القيام بأعمال الصيانة للمباني القائمة التابعة للوزارة، بهدف المحافظة على جودة ونوعية البنية التحتية وسلامة المنشآت التعليمية. كما تعد الإدارة مسؤولة عن الإضافات الصفية وإنشاء أبنية مدرسية آمنة.

أين الخلل؟

يقول مدير إدارة الأبنية والمشاريع الدولية في وزارة التربية والتعليم إبراهيم سمامعة إن "مسؤولية صيانة المدارس تقع على مديرية الصيانة في وزارة التربية والتعليم". تتبع مديرية الصيانة إدارة الأبنية والمشاريع الدولية، وتضم الأخيرة أيضا مديرية الشؤون الهندسية ومديرية الأملاك والاستثمار. تُشكل فرقٌ لإجراء فحص كامل لأبنية المدارس بهدف تقييم سلامتها قبل بدء العام الدراسي، والتحقق من سلامة البوابات وأنها غير آيلة للسقوط، أو الكشف عن تشقق في الأسوار، بحسب سمامعة. كما تتبع للوزارة أقسام خاصة بمتابعة الصيانة في 42 مديرية موزعة في مختلف المناطق، وفق ما أشار.

اعتبر سمامعة أن كل المدارس التي استقبلت الطلبة في العام الدراسي السابق والحالي آمنة للطلبة، مؤكدًا تنفيذ 2800 صيانة مدرسية منذ عام 2021 بقيمة 30 مليون دينار أردني. وفي تعليق له على حادثة سقوط بوابة مدرسة في أول يوم من العام الدراسي الحالي في إحدى مدارس مديرية التربية بمنطقة البادية الشمالية الشرقية، قال سمامعة: "نحن لا ندعي الكمال ويمكن أن يكون هناك هفوات ويتحمل قسم الأبنية في المديرية المسؤولية"، مؤكدا أنه كان يتوجب إجراء كشف حسي على المدارس قبل بدء العام الدراسي ومخاطبة الإدارة لإجراء الصيانة اللازمة. تحدد إدارة الشؤون المالية في وزارة التربية والتعليم احتياجات الوزارة من أعمال الصيانة وقيمتها، وتحدد كل مديرية حاجتها ومتطلباتها في هذا المجال. كما تُخاطب دائرة الموازنة العامة في حال عدم رصد مخصصات كافية للصيانة، أو عند وجود حاجة لإجراء صيانة طارئة. ، بحسب سمامعة. يرى سمامعة، أن تقليص صلاحيات مديري التربية في صرف المخصصات من 20 ألف دينار أردني إلى ألف دينار -بعد إقرار نظام الشراء الموحد الجديد- تسبب بإحالة مشاريع المديريات كافة إلى "إدارة الأبنية والمشاريع الدولية" وزيادة العبء عليها. مطالبا بإعادة الصلاحيات السابقة إلى مديري التربية. أقر مجلس الوزراء الأردني "كودة بناء" خاصة لتنفيذ أعمال المدارس من مجلس الوزراء في آذار/ مارس 2022. وبحسب سمامعة تُعد "الكودة" ملزمة لكل الجهات التي تتعامل مع الأبنية المدرسية، ويتوجب أن تتوائم معها متطلبات الجهات المانحة.

غياب التخطيط

يكشف تحليل بيانات موازنة وزارة التربية والتعليم عن زيادة الإنفاق على صيانة وإصلاحات الأبنية في الأعوام الثلاثة الأخيرة مقارنة مع الإنفاق في الفترة 2015 - 2018. ومع ذلك، تَبين وجود تباين كبير في المخصصات التي أنفقت على صيانة الأبنية والأثاث ضمن برامج التعليم المختلفة منذ عام 2010. يُقر مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي سابقا محمد أبو غزلة بعدم وجود نظام مستدام للصيانة، ما يؤدى إلى حدوث مشكلات نتيجة عدة عوامل من أهمها قدم هذه المباني أو عدم مناسبتها. يَظهر جُل تلك المشكلات في فصل الشتاء، لتعرض حياة الطلبة للخطر وتجعل من المدارس بيئات غير مناسبة لتحفيز التعليم، وفق المدير السابق في الإدارة. وبحسب ما أشار إليه أبو غزلة: تواجه المدارس المستأجرة والحكومية تحديات تتعلق بالصيانة، ففي حال المدارس المستأجرة يُدفع للمؤجر 90 في المئة من بدل الإيجار بعد إشغال المبنى، ما يعني أن صاحب العقار محصن، وقد لا يستجيب بعد أن يستوفي المبالغ المترتبة له. كما قد لا تُغطي النسبة المتبقية (10 في المئة) حجم الصيانة المطلوبة. ومع ذلك فإن للمستأجر (الدولة) الحق في إخلاء المبنى في أي وقت ومن دون الرجوع إلى المالك لأن العقود تُبرم سنويا. كما يمكنه إجراء أي تعديلات أو إصلاحات أو إضافات على العقار المستأجر، بموجب اتفاق يبرم مع المالك لتعويضه ماليا إذا لم يكن ضمن بنود عقد الإيجار، وفق أبو غزلة. وحول المدارس المملوكة للحكومة، يوضح المدير السابق في إدارة التخطيط التربوي، أن المشكلة تكمن في غياب عمليات التخطيط لأعمال الصيانة بكافة أنواعها، أو غياب المتابعة والرصد، خاصة في المباني القديمة. وأشار أبو غزلة إلى أنه يخصص لكل مديرية مبالغ قد تصل إلى 300 ألف دينار أردني أو يزيد سنويا، إلا أن ذلك -بحسب رأيه- لم يحد من ظهور المشكلات التي تعرض حياة الطلبة للخطر، والتي تنشأ بسبب عوامل عدة منها: غياب المتابعة للأعمال التنفيذية للصيانة، والإجراءات الإدارية البيروقراطية التي تعيق تنفيذ هذه الصيانات في الوقت المحدد والمناسب، وقلة المخصصات المالية والضعف الإداري لدى بعض المديرين في متابعة مثل هذا الأمر، أو خشيتهم من الوقوع في أخطاء مالية نتيجة الإجراءات المالية التي يشوبها بعض الغموض. أُنتج هذا التحقيق بالتعاون مع شبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) ضمن مشروع ١٠٠ واط وبدعم من سفارة هولندا.اضافة اعلان