صُنِع في أميركا، وفُقِد في العراق

ديفيد أكس - (فورين بوليسي) 1/3/2018

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

سحبت الشركة الأميركية التي تقوم بإصلاح الدبابات العراقية المصنوعة أميركيا من طراز (أم-1 إيه-1) "أبرامز" العديد من موظفيها من العراق، بعد أن انتهى المطاف بتسعة على الأقل من هذه العربات المدرعة في أيدي الميليشيات الموالية لإيران. والآن، أصبحت العديد من الدبابات العراقية غير صالحة للخدمة بسبب حاجتها إلى الصيانة، مما ينطوي على خطر تقويض حملة البلد المتواصلة ضد متشددي تنظيم "داعش" الإرهابي.

اضافة اعلان

وفي حين انسحب مقاتلو "داعش" من مناطق شاسعة من العراق، والتي كانت المجموعة قد سيطرت عليها في الماضي، تستمر مجموعات متحركة من مسلحيها في شن هجمات على القوات العراقية وحلفائها. وكان هجوم شنه ناشطو "داعش" بالقرب من بلدة الحويجة في منتصف شباط (فبراير) الماضي قد أسفر عن مقتل 27 من رجال الميليشيات الذين يقاتلون لصالح بغداد، كما ذكرت التقارير.

وكان العراق قد اشترى 140 دبابة "أبرامز" التي يبلغ وزنها نحو 63 طناً بمبلغ ملياري دولار بدءاً من العام 2008 من إجل إعادة تجهيز بعض الوحدات المسلحة التي كانت تستخدم في السابق مدرعات سوفياتية الصنع -والتي كانت قوات التحالف بقياة الولايات المتحدة قد دمرت الكثير منها عندما غزت العراق في العام 2003.

وكجزء من صفقة بيع الدبابات، توسطت وزارة الدفاع الأميركية في التوصل إلى ترتيبه بقوم بموجبه عمال من شركة جنرال ديناميكس لاند سيستمز، التي تتخذ من ميتشيغان مقرا لها وتقوم بتصنيع "أبرامز" بصيانة الدبابات العراقية، وإصلاح الدبابات التي تُعطب في المعارك، وتدريب الميكانيكيين العراقيين على إصلاح العربات بأنفسهم. كان الجيش الأميركي قد دفع مبلغ 320 مليون دولار لشركة جنرال ديناميكس لقاء العمل بدءاً من العام 2012.

ثم في كانون الأول (ديسمبر) 2017، غادر معظم مقاولي جنرال ديناميكس العراق بشكل مفاجئ. وقال أحد هؤلاء المقاولين لمجلة "فورين بوليسي" شريطة عدم نشر اسمه، نظراً لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى الصحافة: "تم إعلامنا بأن (الحكومة الأميركية) قد أغلقت البرنامج إلى أن تعود بضع دبابات أبرامز إلينا". والآن، هناك العشرات من دبابات "أبرامز" التي "ليست جاهزة للقتال" كما قال المقاول. ويشكل ذلك انخفاضاً رئيسياً في قوة النيران العراقية.

وكانت دبابات "أبرامز" بطواقمها المكونة من أربعة أفراد والمزودة بمدافع 120 ملم منخرضة في خضم القتال عندما هاجم "داعش" شمال غرب العراق في صيف العام 2014. وقد استطاع "داعش" في ذلك الحين الاستيلاء على عدد من هذه الدبابات، مما أجبر الطائرات الأميركية على استهدافها في الضربات الجوية.

ثم قادت دبابات أخرى من طراز "أبرامز" الهجوم العراقي الذي بدأ في العام 2015 على الموصل لاستعادتها من "داعش". وفي نيسان (أبريل) من العام 2016، احتفى كولونيل الجيش الأميركي ستيف ووارين، الناطق بلسان التحالف في بغداد، بطاقم واحدة من دبابات "أم-1" الملقبة "الوحش"، والتي شاركت في قتال شرس في مدينة هيت.

وفي وقت مبكر من العام 2015، ظهرت تسع دبابات "أبرامز" على الأقل في ترسانات ميليشيات عدة موالية لإيران، والتي كانت تقاتل ضد تنظيم "داعش" سوية مع الجيش العراقي، وفق التقرير الفصلي للمفتش العام للمجهود الحربي الأميركي في العراق وسورية، والذي صدر في شهر شباط (فبراير).

في كانون الثاني (يناير) من العام 2015، انتشر شريط فيديو يصور دبابة "أبرامز" وهي ترفع علم كتائب حزب الله، الذي صنفته الولايات المتحدة كمجموعة إرهابية. وصور شريط فيديو آخرمن شباط (فبراير) دبابة أخرى ترفع علم كتائب سيد الشهداء، وهي ميليشيات أخرى لها روابط مع إيران.

في شباط (فبراير) من العام 2018 أقرت وزارة الخارجية الأميركية والجيش الأميركي مؤخراً، بأن قوات موالية لإيران تستخدم دبابات "أم-1". وكانت الميليشيات قد استولت على بعض من هذه الدبابات من مقاتلي "داعش" بعد أن أسرتهم، وفق ما ذكره ناطق بلسان القيادة المركزية الأميركية لمجلة "فورين بوليسي".

وكانت واحدة من دبابات "أبرامز" قد قاتلت إلى جانب ميليشيات موالية لإيران في اشتباكات مع القوات الكردية في مدينة كركوك في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. وأعطب الأكراد هذه الدبابة. وبعد وقت ليس بالطويل، ظهرت الدبابة المحترقة في مرفق تابع لشركة "جنرال ديناميكس" في العراق، وفق المقاول.

وقال ناطق بلسان القيادة المركزية الأميركية لمجلة فورين بوليسي: "باعتبارها متلقية لمعدات دفاعية ذات أصل أميركي، فإن السلطات العراقية ملزمة بالامتثال لمتطلب المستخدم النهائي المنصوص عليها في الاتفاقيات الموقعة مع الحكومة الأميركية". وأضاف الناطق أن بغداد تمكنت من استرداد "العديد" من الدبابات.

وقال مقاول شركة جنرال ديناميكس، في أواخر شباط (فبراير) الماضي، إن هناك دبابتين فقط من طراز "أم-1" ما تزالان غائبين. ولكن، يبدو أن عودة سبع من أصل تسع من الدبابات المفقودة لم يكن كافياً لإرضاء وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأميريكتين.

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ازداد الضغط الأميركي على العراقيين، لكن العراقيين اعتقدوا بأن الأميركيين يخدعونهم، كما قال المقاول: "تحدثنا مرات عديدة كل أسبوع مع الجيش العراقي ومع وزارة الدفاع العراقية، ولم يصدقوا أننا سوف نغادر حتى آخر 10 أيام، بشكل أساسي".

من الناحية الفنية، ما تزال صفقة الجيش الأميركي مع الجيش العراقي لتوفير مقاولين لصيانة الدبابات قائمة. وقال ناطق بلسان الائتلاف للفورين بوليسي: "ما يزال برنامج صيانة دبابات (أم-1 أبرامز) لقوات الأمن العراقية عاملاً، ولا توجد أي خطة لعدم مواصلة هذا البرنامج في المستقبل القريب".

ولكن، لكل الغايات العملية، ما يزال جهد صيانة الدبابة في الليمبو إلى أن يستعيد العراقيون آخر دبابتين من الميليشيات. وهناك حالياً مجرد 10 موظفين من "جنرال ديناميكس" في العراق كجزء من برنامج دبابة (أم-1). أما وظيفتهم الوحيدة فهي حماية عشرات الدبابات المعطوبة أو التي دُمرت في المعالك، والتي ما تزال في المخازن.

عند سؤاله عن المسألة، امتنع ناطق بلسان "جنرال ديناميكس" عن التعليق. ولم تجب السفارة العراقية في واشنطن العاصمة على طلب بالتعليق أيضاً.

ومن جهته، اعترف المقاول عن الاعتزاز بعمله في العراق. وقال إن فريقه أعاد بناء معظم دبابات العراق المائة والأربعين دبابة من طراز أبرامز "ثلاث مرات على التوالي"، وإنه قام بإصلاحة دبابة "منسوفة" في 20 دقيقة فقد وأعادها إلى المعركة.

بطبيعة الحال، لا يستطيع الجيش العراقي صيانة هذه الدبابات من دون المساعدة الأميركية، كما قال المقاول، وهناك الآن ما يصل إلى نصف دبابات العراق من طراز (أم-2 أبرامز) في انتظار التصليحات.

 

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Made in America, but Lost in Iraq