ضبط إيقاع المؤسسات المستقلة لتخفيف العبء عن الخزينة

 رغم الدعوات المتكررة لضبط إيقاع نمو المؤسسات المستقلة لناحية العدد وحجم الموازنات إلا أن جميع هذه المطالبات كانت تصطدم بنفوذ القائمين على هذه المؤسسات، الذين باتوا يعتقدون أن استقلالهم المالي والإداري يعطيهم حق التصرف في مؤسساتهم وكأنها ملكية خاصة لا يحق لأحد التدخل فيها.

اضافة اعلان

 وتستمر حالة فقدان السيطرة على حجم هذه الوحدات لدرجة ضاع معها الهدف من إنشائها، وإذا عدنا للعام 2003 نجد أن هدفها كان يتمحور حول القضاء على البيروقراطية الحكومية التي تعطل العمل، وتضيق بيئة الاستثمار، وتحبط المستثمرين.

 والآن وبعد مضي الوقت نكتشف أنها أضحت كغيرها جزءا من الجهاز البيروقراطي، وأنها لم تقدم نفعا في القضايا الجوهرية التي جاءت لأجلها، بل إن عددا منها من دون ذكر أسماء بعينها، ما يزال قائما رغم أن الدور المطلوب منها ما عاد موجودا.

 في الآونة الأخيرة طغى الحديث حول حجم العبء الذي بات حجم موازنة المؤسسات المستقلة يشكله على الاقتصاد بعد أن ارتفعت قيمة موازناتها بمعدل 300 % خلال السنوات الماضية، وقفزت من قيمة تقل عن نصف بليون دينار لتلامس ما قيمته بليونا دينار.

 وتضاعف عبء هذه المؤسسات التي أضحى العاملون فيها يشكلون طرازا مختلفا من موظفي القطاع العام لا سيما وأن متوسط أجورهم يزيد بحوالي 600 دينار عن متوسط أجور العاملين في الأجهزة الحكومية الأخرى، رغم أن مؤهلاتهم قد لا تكون أحسن بكثير مقارنة بالعاملين في الوزارات والمؤسسات الأخرى.

 وتبدو إعادة النظر في حجم موازنة المؤسسات المستقلة وعددها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حاجة ملحة، خصوصا وأن حجم نفقات هذه المؤسسات بات يشكل ثلث حجم الموازنة العامة البالغة 6 بلايين دينار، رغم أنها تتضمن بنودا ضخمة مثل قطاع الدفاع والأمن خصص له 1.6 بليون دينار.

 كما أن الإنفاق على هذه المؤسسات يفوق حجم النفقات على عدة قطاعات حيوية مختلفة، حيث تصل قيمة النفقات على السياحة والاتصالات والعمل والقضاء والحماية الاجتماعية مجتمعة ما قيمته 1.3 بليون دينار خلال العام الحالي.

 حجم موازنة هذه المؤسسات والذي يقارب 2 بليون دينار يفوق أيضا قيمة النفقات على قطاعات التعليم، والصحة، والنقل والثقافة والمياه والصرف والصحي والزراعة والطاقة، والتي تقدر قيمتها بحوالي 1.6 بليون دينار خلال العام الحالي.

 التزايد الكبير في عدد هذه المؤسسات والذي قفز من 41 في العام 2007 ووصل 61 مؤسسة العام الحالي والى جانب العبء المالي الذي تشكله على خزينة الدولة، ساهم ذلك بتشتت الجهود وضياع معظمها، حيث نجد أن أكثر من عشر جهات تعمل في مكافحة الفقر، ورغم ذلك بقيت معدلات الفقر على حالها.

 ولم يساهم العدد المتصاعد للمؤسسات التي تعمل في مجال الاستثمار، بزيادة حجم الاستثمارات وتحديدا التنموية، بل لربما أدى تعدد مرجعيات الاستثمار إلى إضعاف البيئة الاستثمارية، نتيجة تضارب الخطط والجهود التي صبت جميعا في نهاية الأمر في تقليص فعالية جميع هذه المؤسسات.

 جميع القضايا والمشاكل الاقتصادية العابرة للحكومات مثل الفقر والبطالة والاستثمار أنشئ لها عدد من المؤسسات أنفقت بلايين الدنانير على مدى السنوات الماضية، إلا أن نتائج ما قدمته "المؤسسات الضبابية" إن جاز التعبير كانت محدودة وضعيفة ولم تسهم بأي حال من الأحوال في التخفيف من حجم هذه المشاكل، بل ساهمت في تعقيد المشهد الاقتصادي أكثر فأكثر.

 واليوم، يمر الاقتصاد بمرحلة صعبة ومعقدة والخزينة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها، اذ توفر هذه الحالة بيئة مناسبة لإعادة النظر في جميع المؤسسات المستقلة، لتصنف بناء على جدوى بقائها من عدمه، بعيدا عن نفوذ القائمين عليها والذين يعتقد بعضهم تبعا لما تمليه إمكانات مؤسساتهم أنهم في بلد آخر غير الأردن، إذ تشعر وأنت تحلل نفقات عدد من هذه المؤسسات أنها موجودة في بلد يمر ببحبوحة اقتصادية لا تجعله يتوقف للتفكير في بنود النفقات أو حتى حجمها. 

 إعادة ترتيب المؤسسات المستقلة وتحديد مستقبلها يتطلب الأخذ ببعض الدراسات الموجودة والتي طالبت بإلغاء عدد من هذه المؤسسات، فليس من مصلحة أحد أن تتضخم هذه المؤسسات من دون حسيب أو رقيب وبعيدا عن أسس منطقية وواقعية لوجودها من عدمه.


[email protected]