ضبط الأعصاب قبل ضبط الأسعار

 

كما لو كانوا مشدودين كقوس نشاب، هكذا أتفرس في حركية الناس من حولي. نزق يعلو ويهدر كموج البحر العاتي. متحفزون للانقضاض على أي نأمة أو همسة أو نسمة هواء. متوترون كأنما هموم العالم تكدست بين جوانحهم. بَرمون من كل شيء وجاهزون للقتال.

اضافة اعلان

هذا مقطع عرضي للأردنيين في نهاراتهم ومساءاتهم. دائما هم على عجلة من أمرهم كأنهم على موعد مع رئيس الوزراء، ولك أن تتخيل مشهد سيارة تتعطل أو تتباطأ في المسير عندما تشع الإشارة الضوئية باللون الأخضر. إن أطنانا من السباب والشتائم وحركات اليدين والأصابع تنهال على السائق المسكين الذي لو عزم على أن يقتص من كل واحد منهم، لدفعه ذلك إلى ارتكاب مجزرة. وكم من المشكلات أنجبها مثل هذا الخطأ البسيط الذي لا أخال سائقا نجا من براثنه يوما ما.

فإذا كان السائق الذي انهالت عليه اللعنات من ذوي الدم الفائر، أو من أولئك "القاعدين على الكرزم" فالويل والثبور وعظائم الأمور لكل من اقترب من قناته أو مس كرامته. أما إن تعوذ من الشيطان وعدّ للعشرة فإنه يكون من الطائفة الناجية، ما يمكنه من إكمال مسيرته وكأنما أذناه محشوتان بالطين والعجين.

وفي ضوء هذين الخيارين، تتحدد مسارات حياة بأكملها، كما يفيدنا الخبير العالمي في مهارات الإدارة والقيادة الشخصية ستيفن كوفي في القاعدة المسماة (10/90). وتقول هذه القاعدة إن 10% من الحياة تتشكل من خلال ما يحدث لنا، والـ90% من الحياة يتم تحديدها من خلال ردود أفعالنا.

ويوضح كوفي أننا لا نستطيع منع السيارة من أن تتعطل أو الطائرة من الوصول متأخرة عن موعدها، وهو ما يشكل 10% مما يجري في الحياة، لكننا نستطيع أن نتحكم في 90% من الوقائع التي يتم تحديدها من خلال ردود أفعالنا. لذا ينصحنا ستيفن كوفي: لا تدع الآخرين يدفعونك للتصرف بحماقة. ويوضح إذا أبلغك أحد الأشخاص بعض الأشياء السيئة عنك، فلا تكن مثل الإسفنج، بل دع الهجوم يسيل عليك كما الماء على الزجاج، ولا تسمح للتعليقات السلبية بأن تؤثر عليك. فردة الفعل الإيجابية لن تفسد يومك، بينما ردة الفعل السلبية قد تؤدي إلى فقدانك الأصدقاء أو فصلك من العمل أو قد تجعلك في حالة من العصبية والتوتر والإرهاق، وقد تدفعك إلى الندم الأبدي.

ولنا أن نتخيل كم من القابعين وراء قضبان السجون، كان بمقدورهم أن يكونوا أحرارا لو أنهم تحكموا في ردود أفعالهم، أو لو أنهم تريثوا كثيرا قبل أن يطلقوا العنان على آخره لطاقة الشر الكامنة في نفوسهم؟

ولدى كل واحدة وواحد منا من الحماقات المختزنة في الذاكرة ما يكفي للتوقف برهة وسؤال النفس: لو أننا تريثنا قليلا، ألم يكن بالإمكان إيقاف مشكلة، أو على أقل تعديل التحكم في امتداداتها التي تكون أحيانا ذات عواقب وخيمة؟

ولعل الأزمات التي تحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم، تجعلنا أشد ما يكون في حاجة إلى ضبط الأعصاب قبل المطالبة بضبط الأسعار وضبط النفقات الحكومية وضبط التسيب والإخلال بالسلم الأهلي والنفسي والاجتماعي.

 بيد أننا مطالبون، قبل ذلك وبعده، بضبط المساحات المتآكلة من الأمل الذي لولاه لأضحى العيش ضيقا ومستحيلا.

[email protected]