ضجيج سوري: ثمن من دون مقابل

 

يديعوت – بقلم: عاموس كرميل

لعل افيغدور ليبرمان سيتعلم ذات مرة بأنه لم يخترع اهمية الكرامة الوطنية، وان صياغاته البدائية ليست السبيل الوحيد للحفاظ على هذه الكرامة. ولعله يصدف له ايضا ان يفهم بان وزير الخارجية ونائبه يمكنهما ان يؤديا مهامهما بقامة منتصبة من دون ان يقعا في الاعيب صبيانية غبية. ولكن التهديد الزائد وعديم الغاية الذي وجهه لاستقرار مكانة عائلة الاسد كان معفيا من ذنب واحد، بل واعطى نتيجة مرضية واحدة.

اضافة اعلان

لم يكن هذا التهديد عود ثقاب مشتعل الى جانب برميل بنزين. كان بوسعنا بالتأكيد ان نعيش في واقع الشرق الاوسط من دونه، ولكن لم يكن فيه ما يشعل حربا او يحث خطوات نحوها. التشبيه بينه وبين تصريحات مسؤولين كبار اسرائيليين في العام 1967 – قد تكون شجعت  في حينه النظام السوري على تشجيع الحاكم المصري ناصر على دفع القوات نحو سيناء وتسريع اندلاع حرب الايام الستة – كان تبسيطيا بقدر لا يقل عن التهديد نفسه.

من جهة اخرى، ردود الفعل السورية الغاضبة على هذا التهديد عادت لتجسد حقيقة قديمة: مرة اخرى تبين على نحو ظاهر بأن لسورية ثمنا واضحا لأي اتفاق سلام مع اسرائيل، ولكن المعنى الجيوسياسي لأي اتفاق كهذا مشكوك فيه جدا.

علامة الثمن السورية، كما تقول كل الاصوات من دمشق وكذلك غير قليل من السياسيين والمحللين لدينا، هي انسحاب اسرائيلي كامل من هضبة الجولان. الخط النهائي لهذا الانسحاب – اذا ما حصل – يحتاج الى قدر هائل آخر من النشاط الدبلوماسي ولعله يضع حدا لخطوات ما، مثلما سبق أن حصل في الماضي. ولكن النزول التام من الهضبة يعرض كموضوع غير قابل للمساومة. من دونه، كما يشرحون لنا لن تكون هناك أي تسوية مع السوريين. ومن دونه لن نتمكن من أن نحظى بسلسلة طويلة من الفضائل الهائلة، التي يمكن لنا ان نستمدها ظاهرا من مثل هذه التسوية.

هكذا مثلا يمكن لنا أن نسمع صبح مساء بان اتفاقا اسرائيليا – سوريا سيحدث تغييرا استراتيجيا في المنطقة. وهناك من يقول ان هذا التغيير سيجد تعبيره في ابتعاد سورية عن ايران، وبالتالي ايضا الى نتيجتين مرغوبتين فيهما جدا. من جهة، اضعاف مكانة ايران (وبشكل غير مباشر المس بمساعيها للتسلح النووي). ومن جهة اخرى، خلق حاجز واضح بين ايران وحزب الله (وبشكل محتم، مس شديد بقدرة حزب الله على العمل ضد اسرائيل).

وحسب نهج محللين آخرين لا يدور الحديث عن انقطاع سوري عن ايران بل بالذات عن محور آخذ في النشوء بين هاتين الدولتين وبين تركيا والسعودية والعراق. مثل هذا المحور يفترض به، اذن، ان يفتح امام اسرائيل – وان يخدم مصالح حيوية كثيرة لها – اذا ما وصلت حقا الى تسوية مع سورية. بمعنى، اذا ما وافقت على دفع الثمن غير المحسوب للسيطرة على هضبة الجولان.

كبديل – وكذلك بالتوازي – يقال ان التسوية مع سورية ستقلص مشاكلنا مع الفلسطينيين. مثلا، فهي ستدفع سورية الى كبح جماح حماس. ومن يدري، لعلها ايضا تحرك ابو مازن للموافقة على تواجد الكتل الاستيطانية خلف الخط الاخضر.

ولكن لشدة الاسف، ليست هذه هي الاستنتاجات الواجبة من التصريحات السورية في الفترة الاخيرة. ليس من تهديد وزير الخارجية السوري بالهجوم على مدن اسرائيل في الحرب التالية، والذي ولد تهديد ليبرمان. ولا من الثناء المشكوك فيه الذي اغدقه الاسد على القيادة الاسرائيلية في اعقاب تهديد ليبرمان. ولا ايضا من الالتزام الصريح من جانب الاسد، بعد أن تبددت اصداء تهديد ليبرمان، بالوقوف الى جانب لبنان حيال عدوان اسرائيلي غير موجود.

ليس في كل هذا أي شيء من كل المردودات المنشودة. لا توجد ذرة تلميح بانقطاع سورية عن ايران او عن حماس او عن حزب الله. ولا يوجد أي مؤشر على تغيير استراتيجي متوقع في المنطقة. والثمن المطلوب وحده واضح وخطير.