ضحكت حتى انقلبت على ظهري

أضحك، حتى أنقلب على ظهري، وأنا أرى وأسمع بعض القيادات السياسية، ومسؤولين عربا، على شاشات التلفزيون يتحدثون عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحق الشعوب وكرامتها، والإنسانية، وخلافها من مصطلحات.اضافة اعلان
أذهب في تيه عميق، وأنا أستمع حينا، لتنظير بعضهم حول تلك القيم الإنسانية، فأحسب أن المتحدث مثال يُحتذى به، في تطبيق تلك القيم الحضارية والفكرية، فأبحث عن ماضيه، فلا أجد ما يؤسس لذلك، لا بل أجد تصريحات، يرفضون فيها الآخر، ولا يؤمنون بحرية التعبير والمعتقد، ويعتبرون الديمقراطية رجسا من عمل الشيطان، والحرية بدعة علمانية، يتوجب محاربتها، وحقَ الشعوب في الاختيار تمردا يتوجب الدوس على رأس من يطالب به!
أحسب أن مثل أولئك المتخذلقين، يعرفون دلالة تلك المصطلحات، قراءة وأحرفا فقط، ولا يعرفون جوهرها الإنساني والديمقراطي والحقوقي، لأنهم، ببساطة، بعيدون عن ممارستها فعلا، فتبقى تصريحاتهم كلاما تذروه الرياح.
أولئك يتناسون أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأنهم لا يملكون حتى حق الكلام فيه، بل الأحرى بهم، أن يطبقوه أولا، ثم يطالبون الآخرين بتطبيقه، حتى يكونوا بذلك أنموذجا في القول والفعل.
لا يجوز أن تكون ديمقراطيا وتكفيريا في ذات الوقت. ولا يجوز أن تتحدث عن العدالة وحرية الرأي والمعتقد، وترفض الآخر، وتضع القيود عن المواطن وتقيد مواقفه. ولا يجوز أن تدعي الإنسانية، وفي ذات الوقت تؤيد قوى التكفير والقتل، وتدعم وجودهم وتمدهم بالسلاح. كما لا يجوز أن تبدي حرصا على حق الناس في الاختيار، وتصادر هذا الحق  في اليوم الأول، الذي تصل فيه لسدة الحكم، بفعل الديمقراطية واختيار الناس.
أولئك الذين يظهرون لنا بأوجه متعددة، وألسنة مختلفة، هم أنفسهم أصحاب "لكل مقام مقال"، وهم لا يؤسسون لحالة ديمقراطية راسخة، ولا يجوز تركهم يتحدثون عن ديمقراطيتنا، وحريتنا، وحرية فكرنا ومعتقدنا، ونحن نعرف أنهم في حقيقتهم لا يؤمنون بها، ويسعون للقضاء عليها وقتلها، ويرفضون ويسجنون من يطالب بها.
لا يمكننا التطور، والتخلص من كل الطغاة والقتلة في عالمنا المحيط، إلا عندما ننفض غبار تصريحات مثل أولئك عن أكتافنا، ونحترم الرأي والرأي الآخر، قولا وفعلا، ونساند حرية الاختلاف بيننا، ونترك مساحة للمختلفين معنا للتعبير، ونقبل الآخر ولا نرفضه، وننقي خطابنا الإعلامي والإنساني والفكري والحضاري والسياسي والديني، من كل ما من شأنه أن يعزز الأحادية والقطرية والجهوية والمذهبية والإثنية، وخلافها من مصطلحات، تؤسس لأفكار إقصائية سوداوية.
كفانا لعبا على مصطلحات إعلامية، وتجييشات فكرية. دعونا نذهب في هذا الجزء من العالم، باتجاه التطور والإنسانية، ونبنى محيطا قادرا على أن يحاكي ديمقراطيات العالم. دعونا نتقدم على مؤشر الحريات العالمي والشفافية والحوكمة الرشيدة وحرية الصحافة والفكر والمعتقد والديمقراطية، ولو درجة واحدة. دعونا نخرج من قعر مؤشرات العالم، ونصعد باتجاه الوسط أقلها، ونؤسس لأبنائنا أفكارا قابلة للتطور والحياة، ونعزز للأجيال المقبلة فكرة البقاء في شرقنا، لا أن ندفعهم للذهاب باحثين عن حياة أفضل في الغرب.
سادتي، انتبهوا لبيوتكم الداخلية. اذهبوا لاستثمار أموالكم في العلم والحضارة والتطور، وتعزيز مواردكم البشرية والاقتصادية والجغرافية. انقلونا من دول مستوردة على الدوام، إلى دول مصدرة، فهل تقدرون؟
سادتي، لا أريد، كلما سمعتكم، ان أضحك حتى تدمع عيناي. خيبوا ظني، افركوا ملحا في جرحي، وقولوا لي أنت مخطئ، وفي بيتنا ديمقراطية وحرية، ونريد هذا في بيوت الآخرين، فهل تفعلون؟!
يا سادتي، دعونا نشعر بالفخر يوما، ونحن نرى تقدمكم في مؤشرات الحقوق المدنية والإنسانية والفكرية، والبحث العلمي، ولا تسمعونا كلاما في كلام. اذهبوا لبيوتكم، واجعلونا نشاهد ديمقراطيتكم، فماذا تنتظرون؟!