ضد الحرب

 

الرأي العام العربي، بمثقفيه وعامّته، ضد الحرب على سورية، وضد التدخل الخارجي مهما كان الثمن. هذا هو الموقف الرسمي حتى لجماعة الإخوان المسلمين التي تشكل فصيلا رئيسا في المعارضة السورية. ولا يوجد من يدافع عن تدخل عسكري خارجي إلا فئات أيديولوجية متطرفة، أو تلك الفئات الملطخة أيديها بدماء السوريين ولا تقل في جرائمها عن النظام نفسه.اضافة اعلان
هذه الحرب المنتظرة لا يوجد فيها إلا مهزوم واحد، هو الشعب السوري ومقومات الدولة السورية ومستقبلها؛ فهي لا تهدف إلى هزيمة النظام، ولا إلى إنهاء الاقتتال الداخلي، كما لا تهدف إلى ضرب الجماعات المتطرفة. علاوة على أن مبدأ التدخل الخارجي بحجة حماية المدنيين، سواء كان ذلك بموافقة مجلس الأمن أم بدونها، لم يأت ولو بتجربة واحدة أفلحت بالفعل في حماية المدنيين، أو ورثت دولة متماسكة؛ بل كيانات هشة يصبح القتل فيها عملا يوميا مجانيا.
لا يمكن تزييف الرأي العام العربي من خلال بعض النخب، بتوجيهه في هذا الاتجاه أو ذاك. وعلى قدر رفض الشارع العربي لأي تدخل خارجي أو أي حرب ضد الشعب السوري، فإن هذا الموقف لا يعني، بأي شكل، أن يصب ذلك في رصيد النظام السوري.
يبدو أن الموقف الدولي يذهب نحو تأجيل أي عمل عسكري إلى ما بعد تقرير محققي الأمم المتحدة. وهو ما بدا واضحا في تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والتي دعا فيها إلى انتظار تقرير المحققين. وبدا أيضا في موقف مجلس العموم البريطاني الذي لم يمنح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، التفويض بشن الحرب متى شاء؛ ما يعني عمليا أن تمنح هذه العملية بعض الوقت للنظام السوري للوصول إلى تفاهمات حول حدود الضربة وحدود ردود الفعل. وهي مهمة الحليف الروسي الذي فهم الموقف مبكرا؛ فأمام النظام السوري الطريق اليمنية بأن يستوعب الضربة القادمة، ويذهب إلى تسوية تفاوضية على طريقة علي عبدالله صالح، أو أن يصعّد على طريقة ميلوزوفيتش والقذافي، وحينها تتحول الضربة العقابية المحدودة إلى حرب حاسمة وسريعة، سيخسرها النظام السوري بسرعة. وهو ما يخشاه الروس، ولا يريدون التورط فيه؛ وهذا ما يفند التفسير السطحي بأن الروس تخلوا عن حلفائهم.
دبلوماسية البوارج التي أخذت تلوّن مياه البحر الأبيض المتوسط، بين الغرب والروس، تهدف إلى إبقاء وقع الضربة العسكرية في حدود الهدف العقابي الذي يعني عمليا إيقاع أكبر ضرر ممكن بالقدرات الدفاعية السورية والمنشآت الحيوية، بأقل وقت ممكن؛ وبالتالي، اختبار إلى أي مدى سيدفع ذلك النظام السوري للذهاب إلى مرحلة الانتقال السياسي. هنا يبدو الرأي العام العربي غائبا تماما، ولم يتعلم من دروس العراق وليبيا، وما تهدف إليه هذه الحروب فعليا من تدمير للدول ومقدراتها، وتحويل الشعوب إلى عشوائيات وقطاع طرق.
الرأي العام العربي ضد الحرب وضد التدخل الخارجي بالمطلق. لكن الرأي العام العربي لا يملك الإرادة ولا القدرة على المطالبة بالبديل، وليس لديه الاستعداد للتحريض على بديل وطني سلمي يرغم النظام السوري على الدخول في عملية سياسية داخلية. سيكون هذا الكلام هراء إذا لم يتدخل الجيش العربي السوري في اللحظة الأخيرة ليقرر الحسم من الداخل؛ ومن يدري؟

[email protected]