ضربة خان شيخون ومشروع التقسيم

في عقب مجزرة خان شيخون، طرح معارضو بشار الأسد وشبيحته، على السواء، السؤال ذاته: لماذا قرر (العودة إلى) استخدام السلاح الكيماوي الآن؟ وذلك على الرُغم من أنه سؤال طُرح بجدية من قبل معارضي الأسد أو أقلها غير المدافعين عن جرائمه، فيما جاء (السؤال) على لسان الشبيحة في سياق تبرئته من المجزرة.اضافة اعلان
فالأسد، كما هو معروف، كان قد نال عشية مذبحة خان شيخون الصفح الأميركي الصريح والمباشر، بإعلان إدارة الرئيس دونالد ترامب بكلمات واضحة تماماً أن إزاحة الأسد ليست أولوية. يتضافر مع ذلك ما يمثل الحجة الأقوى للشبيحة؛ وهي أن الأسد قادر على إيقاع عدد أكبر من قتلى خان شيخون باستخدام الأسلحة التقليدية؛ صواريخ وبراميل متفجرة وغيرها الكثير، فلماذا يستخدم السلاح الكيماوي؟!
والمفارقة أن ما يؤكد حجة شبيحة الأسد السابقة ليس فقط جرائمه وداعميه بالبراميل المتفجرة وسواها على امتداد عمر الثورة السورية وما قبلها، بل يُؤكدها أيضاً التاريخ الذي يثبت أن السلاح الكيماوي ليس قريبا حتى من فاعلية الأسلحة التقليدية. وكما يذكر مارك بيري في مقالة مطولة في مجلة "بوليتيكو" بعنوان "لماذا حظر العالم الأسلحة الكيماوية"، فإن الحرب العالمية الأولى التي شهدت استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع لأول مرة، وأدت تالياً إلى حظره، لم يصل عدد ضحاياها باستخدام هذا السلاح إلى نسبة 10 % من مجموع ضحايا الحرب ككل. ومن ثم، ينتهي بيري إلى نتيجة مفادها أن موافقة القوى الكبرى على حظر السلاح الكيماوي لم تأت لأسباب أخلاقية بقدر ما جاءت نتيجة لضعف فعاليته مقارنة بالأسلحة غير المحظورة، لكنها الأشد فتكاً.
على الرغم من ذلك، فإن ما يفسر –وقبل ذلك يؤكد- استخدام الأسد للسلاح الكيماوي في خان شيخون وسواها، ليس فقط عدم تورع الأسد عن جرائم تجاوزت كل تصور بحق السوريين، إن بالأسلحة أو بالتعذيب، بل الأهم من ذلك رؤية الأسد –أو للدقة إيران، كما روسيا- لسورية مستقبلاً. وهي الرؤية القائمة أساساً على التطهير الطائفي.
نقطة البداية لهذه الرؤية هي ضرورة إفراغ كل المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد من سكانها. إذ إن هذا النظام بعد أن لم يعد يملك سوى ميليشيات، وعلى الرغم من دعمه بمليشيات إيران الطائفية، لا يستطيع السيطرة على تلك المناطق بسكانها. ومن ناحية أخرى؛ أبعد مدى وأعمق تأثيراً، فإن عملية التطهير الطائفي هذه تصب تماماً في مصلحة مشروع التقسيم الإيراني-الروسي لسورية، والذي توافق عليه الولايات المتحدة الأميركية حتماً بحكم رؤيتها (وروسيا) لمستقبل الأكراد خصوصاً.
إذن، الغاية النهائية من جرائم الكيماوي هي إثارة الرعب بين السوريين، كما لاحظ عدد من الخبراء، لإجبارهم على ترك مدنهم وحتى وطنهم ككل. وبذلك، تكون أي محاولة لعروبيي موسكو وطهران الدفاع عن الأسد في جريمة/ جرائم الكيماوي محض عبث، لأن الأهم هو جريمة التطهير الطائفي الذي يتم في سياق التقسيم الفعلي وإن لم يكن القانوني لسورية طائفيا. وهذه جريمة مثبتة بلا أدنى مجال لتشكيك أو مكابرة، ولا يغير من حقيقتها أن يعتبرها انتصارا "القومجيون" والمتباكون على ما يسمى "الدولة المدنية" التي سيبنيها الأسد بالمواطنة! فبالنسبة إلى هؤلاء ما تزال حرب 1967 نصرا ببقاء "الخالدين" فشلا واستبدادا، فيما الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية تعرف أنها نكسة أبشع من النكبة ذاتها.