ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها

المرجح أن تجري الانتخابات النيابية القادمة في موعدها الدستوري برغم كل المبررات المنطقية لتأجيل الانتخابات والتمديد لمجلس النواب الحالي، ذلك أن الانتخابات النيابية تمثل مهما كانت نتائجها ومهما كان اداء مجلس النواب القاعدة الأساسية للحياة العامة والقاسم المشترك بين مكونات الأمة، حتى القرارات والسياسات الأكثر صعوبة والمختلف بشأنها يصعب اتخاذها من غير برلمان جديد.اضافة اعلان
يبدو الانطباع العام عن أداء الحكومة والبرلمان لا يشجع على استمرارهما حتى في ظل الجائحة التي تبرر تأجيل الانتخابات، وقد يكون أفضل لإنعاش الحياة السياسية ولتكون أكثر حيوية وفاعلية بالنسبة للمواطنين أن تجري الانتخابات في موعدها وأن تشكل حكومة جديدة، ففي ذلك تخفيف للاحتقان السياسي وفرصة لخلق أجواء إيجابية في الحياة العامة والسياسية، وستكون الأمة في حالة أكثر تماسكا وهي تواجه استحقاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية ناشئة عن الجائحة.
إن القرارات والسياسات مهما كانت صائبة وملائمة لا يمكن إنجاحها بغير تماسك اجتماعي وثقة شعبية تستند إلى الأغلية إن لم يكن الإجماع الشعبي، ولا يمكن أيضا إدامة التدابير الصعبة بسبب الجائحة من غير مشاركة عامة تتحمل فيها جميع مكونات الأمة المسؤولية، وهذا يجعل اجراء الانتخابات النيابية في موعدها أكثر أهمية من الظروف العادية، ففي الالتزام العام مهما كانت الظروف والصعوبات بأداء الواجبات والاستحقاقات الدستورية تتكون بيئة سياسية أكثر تماسكا وصدقية، وبخاصة أن الحكومة والبرلمان استهلكا رصيدهما الشعبي والعام، ولا يبدو أنهما مؤهلان لمواصلة إدارة الحياة السياسية والعامة في الظروف العادية فضلا عن الاستثنائية.
ثمة حاجة ملحة وقصوى لإعادة بناء الثقة والمشاركة العامة، ولا يمكن الاعتماد في ذلك على استخدام قانون الدفاع، إذ لا بد من شرعية عامة مستمدة من الانتخابات ومن شخصيات وطنية كفؤة ونزيهة تعيد إلى المواطنين الثقة بالدولة ومؤسساتها، وتبدع طريقا جديدا لمواصلة العمل والإنتاج والتنمية في ظل الجائحة، إذ لا نستطيع الاختباء منها إلى الأبد، ولا نملك سوى مواجهة أنفسنا بما يجب فعله، وسوف يكون استمرار تعطيل الحياة الاقتصادية والأسواق والمؤسسات أسوأ من الوباء.
العالم كله يتجه إلى إدارة حياته وشؤونه وفق متطلبات التكيف مع الوباء والاستعداد لحالة قد تطول، ونحن بطبيعة الحال جزء من العالم لا يمكن أن نعزل أنفسنا؛ إذ تقوم مصالحنا واحتياجاتنا على استئناف الحياة والأنشطة اليومية وفق الإيقاع الذي يسير عليه العالم، وليس متعذرا اجراء الانتخابات مع مواصلة سياسات التباعد وحظر التجمعات الكبيرة، ومن قال إن المرشحين ينجحون من خلال المهرجانات؟ في واقع الحال لم تكن سوى خسائر مرهقة للموارد والمرشحين، وفي شبكات التواصل الاجتماعي فرص عملية وفاعلة وأقل كلفة للتواصل مع جميع المواطنين ومخاطبتهم بالأفكار والبرامج، وفي يوم الانتخاب لن تكون عمليات الاقتراع مختلفة عن التسوق في المولات والأماكن العامة.
بإجراء الانتخابات في موعدها نؤكد لأنفسنا التزامنا بقيم الدولة الأساسية مهما كانت الظروف وأننا نراهن على الانتخابات العامة مرجعية حاكمة حتى لو خابت آمالنا، فالخيبة ستكون أكبر بل كارثية عندما نفقد أدواتنا وقيمنا الأساسية المنظمة للحياة العامة؛ إذا البديل هو الفراغ والخواء، ولسنا أقل شأنا من الإسرائيليين الذين ظلوا يحتكمون إلى الانتخابات ويعيدونها مرة بعد مرة بلا تراجع او تغيير في القواعد المتفق عليها والمنظمة للسياسة والتشريع والمشاركة.