ضرورة الابتكارات السياسية والاجتماعية

السياسة والمجتمع والاقتصاد بحاجة دوما إلى ابتكارات جديدة، إلى الخروج عن اليومي والمعتاد، وتزداد أهمية هذه المسألة في المجتمعات الراكدة التي تجيد وصف الواقع والشكوى ولا تفعل الكثير من اجل الحلول.اضافة اعلان
في العام 2009 تقدمت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والدستوريين في المملكة المتحدة برسالة إلى ملكة بريطانيا حذروا فيها من تدني مستويات الخيال الجماعي لدى النخب البريطانية، الامر الذي عدوه يؤثر مباشرة على مصالح المملكة المتحدة، وقدرتها على التكيف مع التحولات والصدمات المفاجئة، كما هو الحال في دور تراجع الخيال الجماعي في ضعف التنبه للفرص والتهديدات في البيئتين الداخلية والخارجية.
بالطبع الخيال السياسي الجماعي لا يقصد به الخيال السياسي الفردي الذي طالما مارسه الافراد في الانظمة الشمولية ولا الإفراط في التشريق والتغريب في الأوهام والضلالات بدون أساس علمي أو منطقي، الخيال المنضبط يعني القدرة على تقديم ابتكارات جديدة قادرة على تقديم حلول للمشكلات والأوضاع المستعصية، يعني قدرة النخب السياسية على استشعار مصادر التهديد واكتشاف الفرص،اي الاستثمار السياسي في ابداع الافكار الجديدة المختلفة والاستثمار في القدرة على قراءة الماضي وتفسير الحاضر وإعادة تعريف المصالح، وأحيانا البحث عن أدوات مختلفة لقراءة التحولات، الخيال السياسي يختلف تماما عن الأوهام السياسية، حينما يعبر عن إرادة ورغبة في تجاوز الازمات والبحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية.
عكس ما قد يتوقع كثيرون تزداد الحاجة اليوم للمزيد من تنمية الخيال السياسي في عصر اللايقين وفقدان الشعوب ثقتها بالنخب وتحجيم دور المؤسسات، يبدو العالم العربي أحد الأمثلة الأكثر وضوحا لفقر الخيال السياسي لدى النخب الحاكمة وحتى النخب المثقفة، فمنذ ثلاثة عقود تعصف بالمنطقة الصدمات والمفاجآت دون أن تطور قدراتها في إدراك ما يحدث حولها ولعل الثورات والتحولات العربية وما آلت إليه المثال الأبرز في هذا المجال وهذا ما ينسحب على تحولات الطاقة وأزمة أسعار النفط والعلاقات الدولية والاقليمية وتمدد الدور الروسي وتحولات الإسلام السياسي وحركات التطرف.
أردنيا، أثبت العديد من الأحداث بعض مظاهر الخيال السياسي المبدع في معالجة ملفات سياسية واستراتيجية، ولكن هذا الامر لا ينسحب على مصادر تهديد أخرى وعلى التعامل مع المصالح الاقتصادية، وفي هذا المجال تطرح مجموعة من الأسئلة هذه الأيام نبدؤها في الجانب السياسي والاستراتيجي، كيف تفكر النخب السياسية الأردنية في بدايات تفكك النظام الدولي آحادي القطبية، في الجهة الأخرى كيف تفكر النخب السياسية الأردنية اذا ما وجدت نفسها أمام صدمات استراتيجية غير متوقعة وخارج الحسابات في الملف الفسطيني الإسرائيلي، سواء في شكل هجوم تسوية غير متوقع، أو حالة فوضى وعدم استقرار فوق تقليدية والأهم من ذلك هل يوجد لدينا خيال استراتيجي منضبط لمواجهة ما يتم تسريبه حول التسوية النهائية أو صفقة القرن.
إذا ما ذهبنا إلى الملف الاقتصادي الاجتماعي نتساءل عن مستوى الإدراك والخيال السياسي لدى النخب الأردنية للتحولات التي تجري حاليا وليس فقط المستقبلية، وحجم تأثيرها على الاقتصاد الوطني الذي يعاني من علل مزمنة، وحجم انعكاس هذه التحولات على المجتمع الأردني، نأخذ سبيل حجم الهجمة الشعبية غير المسبوقة التي تواجه السياسات الاقتصادية النيوليبرالية في العالم، وبداية نهاية تلك السياسات حتى في أعرق المجتمعات الرأسمالية، ثمة ثورات شعبية عارمة ضد النيوليبرالية الاقتصادية تلوح في الأفق لن تستثني حتى نيويورك ولندن، وثمة نمط جديد من التفكير في الديون الخارجية وربما ثورات في المؤسسات، وأخرى تقودها دول ضد سياسات الدائنين. تلوح في الأفق سياسات تسعير جديدة للنفط ومقاربات مختلفة لاقتصادات الطاقة، كل ذلك يحتاج إلى خيال مبدع جديد، فالعالم يتغيير من حولنا بسرعة غير متوقعة، فوق ذلك ثمة علل أخرى اجتماعية – اقتصادية ذات طابع ثقافي وانتاجي محلي باتت اليوم بحاجة إلى خيال ابتكاري.
الابتكارات السياسية والاجتماعية تعد زيتا لتحريك مسننات الماكنة الاجتماعية والسياسية وبدونها سوف تأكل هذه الماكنة نفسها، نحن بحاجة إلى أفكار كبيرة.