ضرورة البدء ببناء إجماع وطني

لا يمكن بناء منظومة ثقة تستعيد الشراكة بين الحكومة والسلطات التشريعية والقضائية والمجتمعات والقطاع الخاص والمؤسسات الإعلامية والمجتمعية من غير تشكيل توافق/ إجماع وطني يؤسس لمرحلة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية جديدة قائمة حول التقدم والتطوير والاستدراك، وفي ظل حالة عدم الثقة بمجلس النواب الحالي (سواء كانت هذه الحالة صائبة أم خاطئة) وعدم الثقة بمعظم الطبقة السياسية التي تشكلت من خلال السلطتين التنفيذية والتشريعية والتجارب السياسية والعامة التي أصبحت (الطبقات والتجارب) موضع اتهام ومراجعة استراتيجية، وعدم الاحترام (وهذا ألطف تعبير) للطبقة التي تشكلت حول برامج الخصخصة المتطرفة والمتوحشة والمشوبة بالفساد (وهذا أيضا ألطف تعبير يمكن استخدامه لوصف التجربة) والرفض الشعبي الجارف والحاسم لهذه الطبقة، فإننا في هذه المرحلة الانتقالية (9 – 12 شهرا) نحتاج لمبادرة سياسية واجتماعية جديدة، ويفضل أن تكون تحت مظلة لجنة ملكية تدير مرحلة انتقالية تجرى في أثنائها انتخابات نيابية وبلدية، وتقدم ميثاقا وطنيا جديدا، وتؤول إلى حكومة برلمانية، ويمكن التوافق مسبقا بنسبة كبيرة على نتائج الانتخابات في عمليات ترشيح وتفاهمات تؤول إلى مجلس يمثل المحافظات والتيارات السياسية والاجتماعية والطبقات والمصالح الاقتصادية والمهنية والاجتماعية تمثيلا عادلا ومنطقيا بدرجة معقولة (الكمال مستحيل والمثالية مريبة ولعلها نوع من الفساد).اضافة اعلان
تقوم هذه المبادرة على عاتق مجموعة وكشرط أساسي لنجاحها تتمتع على الأقل بعدم وجود تجارب وسمعات مشوبة بالفساد والمصالح الشخصية والفشل، ويمكن أن توزع بين القادة السياسيين الرسميين والحزبيين والنقابيين والمهنيين والتقنوقراط والبيروقراط (قادة العمل والوظائف الحكومية المدنية والعسكرية) ورجال الأعمال والاقتصاديين الناجحين وذوي السمعة الطيبة أو غير المتهمين بالفساد او استخدام الموارد والمواقع العامة والخاصة لمنفعة شخصية.
سيكون وزراء الحكومة (أتحدث عن حكومة جديدة) أعضاء في لجنة المبادرة، وهذا يقتضي بالضرورة أن تكون تشكيلة الحكومة مطابقة لتشكيلة المبادرة وأن تخلو من أرباب السوابق، وذلك سوف يسهل عمل المبادرة ويضمن نجاحها وفاعليتها وتطبيقها أيضا، ويجعل الانتخابات النيابية مطمئنة قدر الإمكان، فما يبني الثقة والطمأنينة هو نتائج الانتخابات بغض النظر عن قانون الانتخاب، وسوف تعفينا المبادرة والتفاهمات من الجدل الطويل حول قانون الانتخاب، وتخفف من سلبياته، وعلى أية حال فما من قانون إلا وله سلبيات وإيجابيات، ولكن بعامة فإن القانون الجيد هو الذي يحظى بالثقة، وربما يكون هذا الشرط غائبا عن مجلس النواب الحالي المفترض أن يناط به إقرار القانون.
ويحب التذكير أننا نسعى في تطوير تجربة قائمة بالفعل، ولا ننشئ نظاما سياسيا وديمقراطيا جديدا، ومن المهم أن نلاحظ الإنجازات التي تحققت والقصور الذي رافق المسار السياسي والعام في العقود الماضية، فبغير هذا الإدراك لما أنجز ولم ينجز لا يمكن تحقيق الإصلاح.

[email protected]