ضرورة حلف شمال الأطلسي

احتجاجات في واشنطن ضد حلف الناتو الذي تنعقد اجتماعاته هناك - (أرشيفية)
احتجاجات في واشنطن ضد حلف الناتو الذي تنعقد اجتماعاته هناك - (أرشيفية)

أندرس فوخ راسموسين*
بروكسل- قبل سنوات عديدة، كنت قد اصطحبت أطفالي لزيارة المواقع التي شهدت عمليات الإنزال في يوم بداية العمليات العسكرية في نورماندي. وكنت أريدهم أن يدركوا التضحيات التي بذلها آخرون حتى يصبح بوسع شعوب أوروبا وأميركا الشمالية أن تتمتع بمزايا الحياة والحرية، وأن تسعى وراء السعادة. وقد زرنا الشواطئ التي ما يزال صدى أسمائها يتردد عبر التاريخ -أوماها، ويوتاه، وجونو. وتظل هذه الشواطئ بمثابة النصب التذكاري الذي يخلد فكرة مفادها أننا قادرون معاً على التغلب على أي تهديد، مهما عظم.اضافة اعلان
والواقع أننا ندرك طبيعة المستقبل المظلم الذي كان سيخيم، ليس فقط على أوروبا، بل والعالم كله، لو لم تسارع أميركا الشمالية إلى مساعدة أوروبا في وقت الشدة. ونحن نعرف أن عمليات الإنزال هذه هي التي خلقت روابط فريدة من نوعها بين القارتين.
وحتى الآن، ما يزال هذا الارتباط يشكل أهمية بالغة للحفاظ على قيمنا وأمننا. ولكن، بعد انتهاء الحرب الباردة، افترض العديد من الناس أن التجسيد المؤسسي لهذا الارتباط -منظمة حلف شمال الأطلسي- قد يتلاشى. ولكن هذا لم يحدث أيضاً، لأن ارتباطنا لا يقوم على فكرة وجود تهديدات مشتركة فحسب، وإنما يقوم أيضاً على مثل عليا وقيم مشتركة. والواقع أن هذه المؤسسة لن تذوي ما دامت رغبتنا في الحرية قائمة. ولم يكن حلف شمال الأطلسي أبداً في حاجة إلى أسباب خارجية لتبرير وجوده، لكن التاريخ سوف يقدم مثل هذه الأسباب قريبا.
في البوسنة وكوسوفو، تدخل حلف شمال الأطلسي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان. وفي ليبيا، نفذنا قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي قضى بحماية المدنيين. وفي أفغانستان، نعمل على حرمان الإرهابيين من التمتع بملاذ آمن.
وقد تطور الحلف في واقع الأمر إلى منظمة حقيقية لإدارة الأمن، والتي تتمتع بالمرونة والكفاءة والجدوى من حيث التكاليف والعوائد. وقد تغيرت طبيعة التهديدات أيضاً، فأصبحت ذات صبغة أكثر عالمية، فتغيرنا نحن معها حتى يتسنى لنا أن نواجهها.
ويعكف حلف شمال الأطلسي على بناء قدراته الدفاعية في مجال الصواريخ الباليستية لحماية شعوبنا الأوروبية وأراضيها ضد تهديد خطير ومتعاظم. وفي المحيط الهندي، يعمل حلف شمال الأطلسي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي وغيره من الجهات على حراسة الممرات البحرية الرئيسية التي يهددها القراصنة. وفي مختلف بلدان العالم، ينفذ حلف شمال الأطلسي مهمات جليلة، مثل إزالة الألغام، وعمليات الإغاثة من الكوارث، وتقديم المشورة حول كيفية وضع القوات العسكرية تحت السيطرة الديمقراطية، والعمل عن كثب مع الأمم المتحدة من أجل درء الأذى عن الأطفال.
صحيح أن مثل هذه الجهود قد لا تتصدر عناوين الصحف الرئيسية، لكن الأمن شأنه يشبه شأن الصحة –إنك لن تشعر به أبداً إلى أن تفتقده. ولهذا السبب، يحتاج المرء إلى ضمان. ويشكل حلف شمال الأطلسي الضمان الأمني الأكثر صلابة للعالم أجمع. وقد وفرت المنظمة التي تشارك في عضويتها 28 دولة مزايا أمنية لكافة الحلفاء، عاماً تلو الآخر، لأكثر من ستين عاماً.
وفي هذه الأيام، يجتمع ممثلو نحو 60 من الدول الأعضاء والشريكة والمنظمات الدولية في شيكاغو لحضور أحدث مؤتمرات قمة حلف شمال الأطلسي، وهو التجمع الأكبر في تاريخ الحلف، من أجل معالجة بعض المسائل الأمنية الأضخم على الإطلاق في عصرنا.
وسوف تركز مناقشاتنا على القضايا التالية: نقل المسؤولية الأمنية كاملة إلى الأفغان، والتطوير المستمر لقدرات الحلفاء العسكرية، وإنشاء شبكة عالمية من الشراكات مع حلف شمال الأطلسي.
أولا، سوف نؤكد التزامنا باستقرار وأمن أفغانستان. وعلى مدى الأشهر القليلة المقبلة، سوف يتحول دورنا هناك من القتال إلى التدريب والتوجيه. وبحلول نهاية العام 2014، سوف تنتقل المسؤولية كاملة إلى الأفغان عن أمنهم وبلدهم.
ثانيا، مع مشارفة مشاركتنا العسكرية في أفغانستان على الانتهاء، يتعين علينا أن ننظر إلى المستقبل وأن نطور قدرات جديدة صالحة لعصر جديد. وفي وقت يتم فيه خفض موازنات الدفاع إلى النصف تقريباً في مختلف بلدان الحلف، فإن هذا يتطلب اتباع نهج جديد.
ومن خلال العمل الجماعي لتعظيم أصولنا ومواردنا، نستطيع أن نقوم بالمزيد بالاستعانة بما يتوفر لدينا من هذه الأصول والموارد بالفعل. وهذا هو جوهر "الدفاع الذكي". وفي شيكاغو، سوف يلتزم الحلفاء بهذا النهج بوصفه استراتيجية طويلة الأمد لتحسين قدرات حلف شمال الأطلسي.
وأخيرا، سوف تحتل مسألة الشراكات مكاناً بارزاً على الأجندة في شيكاغو. فعلى مدى الأعوام العشرين الماضية، عمل حلف شمال الأطلسي على إنشاء شبكة من الشراكات الأمنية مع بلدان في مختلف أنحاء العالم. وخلافاً للحلفاء، فإن الشركاء لا تغطيهم الفقرة الخامسة، وهي الفقرة الخاصة بالدفاع الجماعي لمعاهدة حلف شمال الأطلسي. ولكن التهديدات عبر-الوطنية تتطلب حلولاً متعددة الجنسيات، ولا شك أن شراكاتنا سوف تساعدنا في مواجهة التحديات المشتركة.
ويعقد حلف شمال الأطلسي مشاورات منتظمة مع كل شركائنا. كما يساعد الحلف الأطراف المهتمة بالإصلاح الدفاعي. ويساهم العديد من شركائنا بقدراتهم وخبراتهم القيمة في عملياتنا.
كنت بدأت بالحديث عن إدراكي الشخصي للارتباط المهم بين شمال أميركا وأوروبا. ولكن هذا الارتباط يذهب إلى ما هو أبعد مما نتصور. فقد كانت شيكاغو منذ فترة طويلة قِبلة للعديد من المهاجرين الأوروبيين. والواقع أن ابني يعيش في إيلينوي، ليس بعيداً عن شيكاغو، مع زوجته وولديه. وبين أحفادي الأربعة، هناك اثنان أوروبيان واثنان أميركيان.
وعندما أفكر في الأسباب الداعية إلى الحفاظ على ارتباطنا عبر ضفتي الأطلسي من أجل أجيال المستقبل، فإنني لا أفكر في أمني الشخصي فحسب، وإنما أفكر في أمن هذه الأجيال أيضا. وهذا السبب وحده يكفيني.


*الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي.
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"، 2012.