ضرورة سياسية

قد نختلف على قانون الانتخابات؛ فيرفض البعض القانون الحالي ويقبله آخرون، او يطالب البعض بالنظام المختلط ويراه اخرون مخالفا للدستور، وربما نجد من يؤيد استمرار العمل بالقانون الحالي إلى حين استقرار ما حولنا من تطورات، وقد لا يرى آخرون مثل هذا الرأي.

اضافة اعلان

قد نختلف على كل هذا ونجري حوارات وجدلا، لكن ما يجب الا نختلف عليه هو المحافظة على استقرار واستمرارية المؤسسات السياسية الدستورية وبخاصة مجلس النواب. ولهذا فإن الضرورة السياسية أن تتوقف كل الاجتهادات والآراء التي يسعى البعض لتسويقها والتي تتحدث عن تأجيل الانتخابات والتفرغ لترتيب البيت الداخلي وانتظار ما يجري في محيطنا والاهتمام بالحفاظ على الأمن ومواجهة التحديات.

قد لا تكون هذه الآراء حتى الان اكثر من وجهة نظر، لكن تجاربنا السابقة تجعلنا نشعر بالخوف. فقد تم حل مجلس النواب السابق، ثم عملت الحكومة على تأجيل الانتخابات عامين كاملين. لكن المعضلة كانت أنّ الحكومة عملت دون رقابة من النواب، ومارست دوراً اضافياً بإصدار مئات القوانين المؤقتة بحجة ان الظروف قاهرة، واننا لا نستطيع اجراء الانتخابات.

يفصلنا عن الانتخابات عام واحد فقط. والضرورة السياسية ان يتم اغلاق الباب امام كل الاجتهادات والآراء التي حتى لو لم تتحقق فإنها تبعث في الاجواء: سلبية وتشكيكاً وريبة بالمسار السياسي للدولة، ويبدو وكأننا نتلكأ ونبحث عن مبررات لتعطيل المؤسسات الدستورية، ويفترض ان المواعيد الدستورية ليست خاضعة للجدل والاجتهاد الا في حالات طارئة جداً, والغريب ان بعض الآراء التي تدعو إلى تأجيل الانتخابات تأتي من رجالات وشخصيات يفترض انهم الأكثر حرصاً على المؤسسية.

ما نحتاجه ان نؤكد على ان يتم الاعلان - بشكل واضح- بأن الانتخابات النيابية في موعدها، وان الاستحقاق الدستوري محل احترام وتقدير، وليس خاضعاً لتقديرات محافظة، فمن لديهم الاضطراب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي يجرون انتخابات، فكيف بنا ونحن دولة مستقرة؟!

بعيدا عن اداء مجلس النواب والملاحظات على انجازه الرقابي والسياسي، فإن هذا لا يلغي اهميته. فالدفاع عن وجود المؤسسة النيابية وضرورة استمرارها لأنها - على الأقل- نظرياً عامل توازن مع السلطة التنفيذية، ويفترض بنا جميعاً ان نفكر بكيفية بناء مجلس نواب قادم اكثر عمقاً ونضجاً، واقرب الى الخبرة وحسن الاداء سواء كنا احزاباً او عشائر او حكومة. فتجربة المجلس الحالي كشفت عن عيوب كبيرة في خياراتنا كمواطنين واحزاب وعشائر.

اما الجانب الآخر للقضية فهو الحكومة التي تبدو مترددة في خياراتها بخصوص قانون الانتخاب، فحتى الان تتحدث عن عمل تقوم به لصياغة قانون جديد، لكن علينا ان ندرك ان الزمن ليس متاحاً للحكومة، فالوقت يجري ويفترض ان يكون القانون واضحاً قبل شهور من الانتخابات حتى يستطيع كل فرد او مجموعة او حزب ادارة امورهم قبل موعد الانتخابات، وحتى تتمكن الحكومة ايضاً ان تحضر كوادرها واجراءاتها.

فلتكن الحكومة واضحة وصريحة، وأن تقدم قناعتها بالقانون الذي يجب ان تجري عليه الانتخابات القادمة، وسواء قبلنا رؤية الحكومة او رفضناها فإن الوضوح يختزل نصف المشكلة.

اذا كانت الحكومة تعتقد ان الظروف الاقليمية لا تسمح بخطوة الى الامام في قانون الانتخاب فلتعلن ذلك. فالمهم اولاً هو اجراء الانتخابات في موعدها فهذا اخف الضرر بدلاً من التأجيل وعدم قدوم قانون جديد، لأنّ ذلك يجعلنا اكثر قلقاً على اجراء الانتخابات قبل ان نقلق على حدوث تغيير على القانون.

هنالك ضرورات سياسية يفترض بالحكومة أن تملك رأياً فيها لتغلق الطريق امام كل الاجتهادات الأخرى.

[email protected]