ضعف الثقة بين السلطة التنفيذية والناس

تتسع فجوة الثقة، كل يوم، بشكل مقلق بين السلطة التنفيذية والناس. وقد أشار لذلك العديد من المهتمين بالشأن العام، وإن كانت الحكومة لا تعترف بذلك؛ وكان آخرهم دولة الرئيس طاهر المصري، في مقاله في "الغد" يوم الأحد الماضي.اضافة اعلان
ويشعر بذلك أيضا كل محاور لفئات المجتمع، وبخاصة فئة الشباب، داخل عمان وخارجها؛ إذ تبدو الحكومة، أي حكومة، عاجزة عن التقاط المزاج العام، أو لا تملك الأدوات اللازمة لتضمين الرأي العام في عملية صنع القرار.
لا أعتقد أنني أبالغ إن قلت إن المزاج العام في الأردن يميل إلى عدم تصديق ما تقوله الحكومة، بغض النظر عن صحته في الكثير من الأحيان، وإن التشكيك في جدية الحكومة بشأن محاكاة احتياجات الناس، بلغ مستويات ليس من الحكمة إنكارها أو عدم معالجتها.
وفي الموضوع الاقتصادي تحديدا، يشعر المواطن العادي، خاصة من الشباب وممن يقطن خارج العاصمة، أن فرص العمل محدودة ومحكومة، في العديد من الأحيان، بالواسطة وليس الكفاءة.
هناك أسباب عديدة ساهمت في توسيع فجوة الثقة هذه، لكن بعضها يتعلق بالثقافة الإعلامية الحكومية السائدة التي تعوّد فيها المسؤول على قلة إطلاع الناس على ما يجري؛ إما بالتعتيم على الحدث، أو الإعلان عنه بالتقطير، أو الاكتفاء بإعلان مقتضب لا يسهب في الشرح بما يشفي غليل المواطن ويضعه في الصورة، ويقنعه أن المسؤول شريك معه في بناء الوطن لا خصما له.
الأمثلة على ذلك عديدة عبر رحلة الإخفاقات المتعاقبة للإعلام الرسمي، من قضية محاولة اغتيال خالد مشعل في العام 1997، إلى أجهزة التنصت الإسرائيلية المدفونة في عجلون، إلى كيفية التعامل مع قضية الراحلتين ثريا وجمانة السلطي، إلى حادثة النقيب أنور أبوزيد. حتى موضوع من المفترض أنه ليس خلافيا كالتعداد السكاني، أُعطي العديد من التأويلات بسبب أزمة الثقة. في هذه الحالات كافة وسواها، كانت السياسة الإعلامية تتميز بالتستر أولا، حتى إن لم ينجح ذلك، يكون التقطير في إفشاء المعلومة، أو إعطاء المعلومات المتضاربة. فإن لم يفلح ذلك، فالبوح بالحقيقة في نهاية المطاف، ومن دون إسهاب في الشرح، بعد أن تكون الحكومة فقدت مصداقيتها.
على الحكومة أن تعي أن أهمية السياسة الإعلامية الرسمية تتعدى محاكاة نتائج أي قضية تشغل الرأي العام. وفي البلاد المتقدمة، يحضر المسؤولون عن الإعلام الاجتماعات المفصلية كافة للدولة، كي يكونوا على دراية كافية بقرارات الحكومة، حتى يستطيعوا الدفاع عن موقف الدولة لا ترديده فقط، وحتى يكونوا متمكنين من الموضوع تمكنا يساعدهم على الإسهاب في شرح القرار أو الحدث، وإقناع الناس.
السياسة الإعلامية الناجحة ليست بوجود وزارة إعلام تحدّ من الحريات الإعلامية وتتحكم بما يقال للناس من دون حجة مقنعة، وإنما بوجود مطبخ إعلامي شريك في صنع القرار، وقادر على شرحه للناس. لدى تبوئي وزارة الإعلام، كنت أجتمع أسبوعيا مع الجسم الصحفي، لأضعه في صورة الأحداث بشكل مفصل، ولا أدري لماذا انقطعت هذه العادة.
ما عدنا اليوم في زمن يرى المسؤول في حجب المعلومة أو إعطائها بالقطارة، قوة له أو ضرورة أمنية أو وطنية. في زمن الإنترنت وسهولة الحصول على المعلومات، يتوجب الانتقال نحو ثقافة ترى في المصارحة السريعة قوة للدولة، من حيث بنائها جسور الثقة المقطوعة مع المواطن، ومن حيث إتاحة الفرصة له أو لها لمناقشة سياسات الدولة، بدلا من معاملته كمتلق لهذه السياسات من دون نقاش ومساءلة.
المواطن مستعد لتقبل الحقيقة مهما كانت مُرّة، ولكنه لا يتقبل الإبطاء في البوح بها، أو المواربة بشأنها.