ضعف "المادة 23" وقوة تبعاتها

لجوء الصحافة إلى الاحتجاج بالنزول إلى الشارع، والتظاهر، والتلويح بالاستقالة في حال قام مجلس الأعيان بالإبقاء على المادة 23 في قانون مكافحة الفساد، مدار الاحتجاج، يعتبر مؤشراً خطيراً في مقاييس الحرية وحماية الحياة العامة.اضافة اعلان
ذلك أن ارتباط الصحافة بحياة المواطن لا خلاف عليه البتة، واتساع رقعة عدم التوافق بين الحكومة والصحافة في وقت الأزمات يزيد من حجم اهتزاز الثقة بين المواطن وحكومته، ناهيك عن مؤشرات مستقبلية قد تؤدي إلى فقدان الثقة أساساً بالصحافة بدعوى أنها لم تعد قادرة على أداء دورها في كشف الحقائق وتصحيح المسار، وهنا تنشأ بدائل شعبوية لن تكون في صالح الدولة.
إذن من يستفيد من أزمة تنشأ بين الصحافة ودوائر القرار في الدولة، وهل يمكن للمادة 23 أن تحد من نشر أي معلومة عن مسؤول "فاسد" في ظل سطوة الإعلام الجديد على عقول البشر؟ ما هو ثابت ومحكوم بالمنطق أن الأزمة مع الصحافة في الوقت الراهن لن تؤدي إلا إلى احتقان أكبر بين السلطة التنفيذية والسلطة الرابعة التي كانت قررت منذ بداية عهد الإصلاح أن تقف إلى جانب الحكومة في حال صدقت نيتها، ولكن الأمر برمته يقف على شعرة واهنة، لذلك كان على دائرة القرار أن توثق علاقتها بالصحافة لا أن تضعفها، خدمة للدولة، ومواكبة لمطالب الشعب في جدية إحداث إصلاح حقيقي.
أما بالنسبة للأمر الثاني، المتعلق بإمكانية تحجيم نشر الأخبار والمعلومات حول المسؤولين المتهمين بالفساد قبل أن تعلِم هيئة مكافحة الفساد الصحافة رسمياً بشأنهم من خلال الأخبار الجاهزة، فلا يمكن لعاقل أن يتعامل معه على أنه محكم الإخراج، أو ذو فائدة حقيقية على المديين القصير والطويل، لأن الناس غالباً ما يستقون أخبار الفضائح والتشهير من وسائل إعلامية غير موثقة، وهي منتشرة عبر فضاء إلكتروني غير قابل للمراقبة، فكيف يمكن للمادة 23 أن تكون فاعلة من أساسها؟
إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن إضعاف الصحافة أمام الرأي العام الأردني مهمة مستحيلة في ظل قدرة نقابة الصحفيين على تمييز الغث من السمين، واستعمال حقها الطبيعي في الاحتجاج ضد ما يمس الجسم الصحفي، وفضح أي ممارسة رسمية قد تؤذي الصحفيين ومؤسساتهم، فإن الخاسر الوحيد هو الحكومة وليس غيرها، والمتأثر السلبي هو سمعة الإصلاح في الدولة، والهالك النهائي هو الجهد الكبير الذي يبذل لتجنيب البلد مسارات مظلمة ثم يتلاشى كأنه ما كان بسبب مادة واحدة في قانون مكافحة الفساد.
من المستفيد؟ الجواب عن سؤال كهذا يسبقه سؤال عن الخاسر في النهاية، خاصة أن أكثر من مائة صفحة على "الفيسبوك" تتناول حالياً موضوع المادة 23 من قانون مكافحة الفساد، وثمة ما يزيد على 400 ألف أردني أصبحوا أصدقاء لهذه الصفحات ومشاركين فيها، ما يعني أن البديل غدا جاهزاً لنشر أي معلومة عبر الفضاء الإلكتروني بشأن مسؤول فاسد، حتى لو بالشبهة، بينما لو استمر الأمر بين الصحافة وأجهزة الدولة المعنية لتم ضبطه بصورة أفضل.
المشكلة الحقيقية ليست في وضع مادة بعينها في قانون ما، لكن المشكلة تكمن في دقة دراسة هذه المادة ومدى تأثير تطبيقها على سمعة البلد، وعلاقة دوائر القرار بالإعلام، وثقة المواطن بصحافته ثم بدولته، ومصداقية مكافحة الفساد، وإذا ما رجعنا إلى حجم تأثير المادة 23 على حماية سمعة الشخصيات العامة فسنجده ضئيلاً للغاية، فلماذا التشويش على الإصلاح؟!

[email protected]