ضغوطات العمل وخلافاته.. هل تقود البعض لارتكاب جرائم قتل أو إيذاء النفس؟

صورة تعبيرية لتوتر وجدال حاد في بيئة العمل بين اثنين من الموظفين - (أرشيفية)
صورة تعبيرية لتوتر وجدال حاد في بيئة العمل بين اثنين من الموظفين - (أرشيفية)
رانيا الصرايرة عمان - "هل يمكن أن تقود خلافات العمل بين الزملاء أو بين الموظف ومديره أو احتجاجات على عدم توفر بيئة لائقة، أو مطالبات بالتثبيت في العمل، إلى ارتكاب جريمة قتل، أو محاولة انتحار، أو إيذاء النفس أو الآخرين؟".. سؤال بات يرهق الكثيرين من المتابعين ومراكز الدراسات ويلح بالإجابة عنه. ووفق ما رشح من معلومات لـ" الغد"، فقد تكون "ضغوطات العمل وخلافاته" دفعت إلى وقوع جريمة قتل بشعة في مستشفى الكرك الحكومي، مؤخرًا، عندما أقدم موظف مختبر بالمستشفى على "قتل زميليه"، بإطلاق النار عليهما، أصابت إحدى طلقاته اسطوانة اكسجين ما تسبب بانفجارها واحتراق المختبر الذي أودى بحياة الجاني أيضًا نتيجة إصابته بحروق، في وقت يؤكد زملاؤه أن الجاني "لم يكن يوما من مفتعلي المشاكل، بل على العكس كانت تربطه بزملائه علاقات جيدة". "الغد" حاولت تقصي السبب وراء إقدام القاتل على فعلته ليقول مقربون منه وزملاء له في العمل إن "القاتل كان دخل في جدال مع إحدى الزميلات حول دقة كشوفات شهرية يصدرها المختبر تبين عدد الحالات التي يتم التعامل معها، وتكرر الجدال أكثر من مرة على مدى أشهر قبل أن يتم التلويح بنقله للعاصمة". ورغم ان القاتل لم يبلغ رسميا بذلك، الا انه قرر الاعتراض بطريقته الخاصة حيث قدم إجازة بدأت قبل يوم من وقوع الجريمة، وعندما عاد الى عمله أخبره زملاؤه بأن قرار فصله قد صدر، وعلى حد قول مقربين منه "لم يحاول القاتل مراجعة الإدارة بل غادر مبنى المستشفى ليرجع صبيحة اليوم التالي حاملا سلاحا ليطلق النار على زميله ومديره، فضلا عن التسبب بإحراق مختبر المستشفى". وهناك حالات أخرى لقتل النفس اعتراضا على إجراءات اتخذت بحقهم في مكان العمل مثل الفصل، لم تغب عن ذاكرة المجتمع الأردني، أبرزها قضية عامل الكهرباء (مصعب)، الذي أقدم على إحراق نفسه قبل أعوام، توفي على أثرها، بعد أن تم فصله من عمله. كما أن العشريني يوسف (اسم مستعار)، كان يعمل مراسلًا في أحد المصانع، حيث أقدم قبل أعوام على قتل مسؤوله بالمصنع، والسبب هو أن الأخير "كان دائم التنمر على الجاني، الذي يواجه حكمًا بالإعدام شنقًا". مدير مركز الثريا للدراسات الدكتور محمد الجريبيع يؤكد أن هناك الكثير من بيئات العمل، سواء في القطاع الخاص أو العام "لا تتوافر فيها شروط العمل اللائق والصحي للعاملين فيها، سواء من حيث الأجور أو توفر السلامة والصحة المهنية والتأمين الصحي وغيرها، ما ينعكس على جو العمل ويتسبب بجو مشحون سواء بين الزملاء فيما بينهم أو بين هؤلاء الموظفين ومدرائهم". ويوضح الجريبيع أن قدرة الأشخاص على التكيف مع ظروف ما في بيئة العمل تختلف من شخص لآخر، لذلك "فقد يلجأ البعض للتعبير عن اعتراضهم على خلل ما، إما بإيذاء أنفسهم مثل التهديد بالانتحار أو إيذاء الآخرين". ويضيف، "ليس بالضرورة أن يكون مرتكب الجريمة مجرما بطبيعته، فالظروف عادة ما تقود إلى ذلك، رغم أن ذلك بالطبع لا يبرر اللجوء للجريمة". وللتغلب على ذلك، يرى الجريبيع "أن من المهم توفير بيئة عمل لائقة من جهة، ومن جهة أخرى نشر برامج الصحة النفسية في كل مكان سواء بالمدارس أو الجامعات أو أماكن العمل". وبحسب المرصد العمالي فقد رصد سبع حالات إيذاء نفس منذ بداية العام الحالي، أبرزها في شهر آذار (مارس) الماضي، عندما "هدد 15 عاملاً بمصنع الفوسفات في العقبة بالانتحار من أعلى مدخنة المصنع، احتجاجًا على عدم تثبيتهم في العمل، وهو الأمر الذي لم يحصل حتى الآن". ويؤكد مدير بيت العمال حمادة أبو نجمة أن الفقر ومسبباته وبمقدمتها البطالة، "يشكل عاملاً يفرز يأساً وإحباطاً لدى الفرد، ويؤدي إلى اختلال التوازن الشخصي والشعور بالضياع، الأمر الذي قد يقود إلى الانحراف والجريمة والعنف والتسول وأحيانا الانتحار والدعارة". لكنه يشدد على فكرة أنه لا يجوز بأي حال افتراض أن كل متعطل عن العمل هو مشروع مجرم أو منحرف، "ففي ذلك ظلم كبير للأغلبية الساحقة من المتعطلين عن العمل، الذين لا تتمكن منهم الظروف الصعبة والمعاناة ولا تدفعهم إلى الانحراف والجريمة، بل يتعايشون معها وينطلقون منها إلى تحقيق حياة كريمة وربما نجاحات تخرجهم "قد تشكل البطالة أحد عوامل الجريمة إذا رافقها عدم الشعور بالرضا لعدم إمكانية تلبية الحاجات الأساسية، وفقدان العدالة الاجتماعية، والصراع بين الطبقات، والتوزيع غير العادل للثروة، وسوء الخدمات، وعدم تكافؤ الفرص، وخيبة الأمل تجاه جهود التنمية". هذا ما أكدت عليه الأمم المتحدة في أكثر من تقرير، الأمر الذي يوجب على الدولة أن تخصص من البرامج ما يساعد هذه الفئة على الانسجام مع محيطها، ومنحها الفرص الكافية والتأهيل اللازم للعودة إلى سوق العمل، أو تأمين الدخل اللازم لها بما يضمن أن تحيا حياة كريمة خلال فترة التعطل. وعلى هذا الأساس نص العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ضرورة أن تتاح لكل شخص فرصة كسب رزقه بعمل يختاره أو يقبله بحرية، وأن تصون الدولة هذا الحق بحسب أبو نجمة. وفي مجال العمالة المنزلية، يكاد لا يمر شهر الا وتحدث محاولة انتحار، وخلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، رصد مركز تمكين للدعم والمساندة "أربع حالات محاولات انتحار لعاملات منازل، فضلًا عن ثلاث جرائم قتل أو محاولة قتل من قبل عاملات منازل بحق مخدوميهن". ويؤكد مطلعون على هذا الملف ان السبب في اغلب الحالات يكون لـ"تعرض العاملة لانتهاكات جسيمة دفعتها لإلقاء بنفسها من النافذة في محاولة للهروب أو للانتحار". مديرة "تمكين" لندا كلش تشير إلى شكاوى يستقبلها المركز من عاملات منازل تؤكد "تعرضهن لضرب وشتم ولظروف عمل قاسية كطول ساعات العمل وعدم تلقي الرعاية الصحية وعدم توفير الطعام الكافي"، قائلة إن تقريرا أصدره المركز مؤخرا أفاد "أن بعض عاملات المنازل يحاولن الانتحار برمي أنفسهن من نوافد المنزل نتيجة تعرضها لانتهاكات". وكان مصدر مطلع في وزارة العمل قال، في تصريح صحفي سابق لـ"الغد"، إن بعض أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل "لا يلتزمون بالعقد الموقع مع صاحب العمل، ما يسبب مشاكل مستقبلا".اضافة اعلان