ضغوطات تنموية

سلامة الدرعاوي أكبر تحد مباشر يتعرض له الاقتصاد الوطنيّ هو الضغوطات الماليّة الملحة التي يتطلب من الحكومة تلبيتها وتوفير استحقاقات فورية لها دون أي تأخير. هذه الضغوطات تشكّل حالة استنزاف كبيرة لموارد الدول حتى في حالات النموّ الإيجابي، فكل ما يأتي من مساعدات إضافية أو حتى نموّ في التحصيلات الضريبيّة يوجّه لتسديد تلك الالتزامات الماليّة الملحة، والتي جزء كبير منها وليد نموّ نفقات الحكومات خاصة التشغيليّة منها. فهناك أكثر من 580 مليون دينار التزامات شهرية على الخزينة يتطلب توفيرها شهريّاً حتى تتمكن الحكومة من دفع الرواتب الشهرية التي تقدر بحوالي 350 مليون دينار، ناهيك عن التزامات خارجيّة متعاقبة بفوائد خدمة تناهز الـ120 مليون دينار، إضافة إلى ما يقارب الـ100 مليون دينار نفقات تشغيليّة لأجهزة الدولة وإنفاقها الرأسمالي. هذه الضغوطات الماليّة تشكّل تحديا أمام أي خطة تنمويّة للدولة، فالحكومات تعطي أولوية لتوفير مخصصات الرواتب والديون على أي انفاق رأسمالي لخطورته وأبعاده الاستراتيجيّة على الأمن الاقتصاديّ والاجتماعيّ، فالأولويّة الماليّة هي الرواتب وفوائد الدين بلا منازع. هذه الأولويّات تجعل الماليّة العامة على الدوام تعيش تحت ضغط دائم، فالأداء المالي متباين من شهر لآخر، والتحصيل الضريبيّ وباقي التحصيلات المالية للخزينة متفاوتة من فترة لأخرى، والمنح الخارجيّة وباقي المساعدات المقدّرة في الموازنة أيضاً متباينة من يوم لآخر، فقد تمر أشهر تشهد فيها إيرادات الدولة المحليّة والعامة تراجعاً أو جموداً، وقد تأتي بعض الفترات فيها نموّ استثنائي يفوق باقي بعض الفترات في العام الماليّ. هنا يستوجب على راسم السياسة الماليّة ان تكون لديه بدائل ماليّة سريعة تكون متاحة له وقتما يشاء للتحرك الماليّ دون وجود أيّ ضغوطات، وهذه المساحة الماليّة المتاحة له هي عادة ما تكون بالاقتراض الداخلي أكثر من الخارجي لسهولة الإجراءات وسرعة الاتصال بالمعنيين لتوفير ما ينقص الخزينة من مخصصات ماليّة لتوفيرها من أجل سداد التزاماتها الداخليّة والخارجيّة دون تأخر. لكن السؤال الذي يطرح على الدوام ولا يلقى إجابة شافية، هو لماذا لا ينعكس نموّ الإيرادات الضريبيّة على سبيل المثال لا الحصر والتي نمت بشكل استثنائي يفوق المقدّر في الموازنة بحوالي 150 مليون دينار في قضايا التنمية الرئيسة؟ من حيث زيادة التشغيل والاستثمار الرأسمالي في الاقتصاد من حيث إقامة المشاريع الكبرى في الدولة بشكل أسرع مما هو معمول به في الوقت الراهن. لا شك أن أي زيادات في إيرادات الدولة سواء أكانت من الضرائب أو حتى من المساعدات الخارجيّة لن يكون لها أثر في تغيير الشكل التنموي المتبع من قبل الحكومة والذي تسعى لتنفيذه، بمعنى ان أيّ أموال جديدة تحصل عليها الخزينة، حتى لو كانت اعلى من التقديرات الرسمية في الموازنة فإن انعكاسها على العملية التنمويّة شبه محدود ان لم يكن معدوما. السبب في ذلك يعود لأمرين أساسيين: الأول متعلق بسياسات الآفاق الحكومية التي عادة ما تخالف التوقعات والتقديرات وتزداد بشكل سلبي اكثر مما تم رصده في الموازنة، مما يتطلب أموالا إضافية لتلبية هذا الإنفاق الجديد والزائد. والأمر الثاني متعلق بهيكل الموازنة التي تعاني بالأصل من عجز مزمن يفوق في أقل تقديراته حاجز ملياري دينار بعد المنح والمساعدات، علما انه اليوم يتجاوز الـ2.356 مليار دينار مع عجز المؤسسات المستقلة. الأمران السابقان يوضحان بشكل جلي ان أي أموال جديدة وإضافية ستحصل عليها الخزينة ستتبخر فورا نتيجة تراكمات الاستحقاقات في الإنفاق الإضافي والعجز المزمن، لذلك لا يمكن ان يكون هناك إصلاح ماليّ حقيقي دون مواجهة فعلية لموضوع ضبط الإنفاق الرسميّ والتصدي بحزم للعجز الماليّ والالتزام به وعدم مخالفة قانون الموازنة العامة في ذلك حتى يتلمس الاقتصاد والمواطن أثر التنمية لأي نموّ متحقق.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان