ضمد جراح قلبك

لا يجب على المرء أن يعيش سجين ذكريات تاركا العمر يمضي - (أرشيفية)
لا يجب على المرء أن يعيش سجين ذكريات تاركا العمر يمضي - (أرشيفية)

إسراء الردايدة

عمان -  الفراق وفقدان الأحبة، يتبعهما ألم لا يحتمل ولا تصفه الكلمات، حزن ودموع منهمرة، أنين داخلي، عيون كالجمر، انغلاق على النفس، ويصبح المرء غاضبا وسلبيا في تعامله مع المحيط.اضافة اعلان
وتمر الأيام والشهور والسنين ويصبح المرء أسير نفسه ومهملا لحياته في محاولة للتخلص من ذلك الألم الذي أصاب قلبه إما لفقدان حبيب أو شريك.
الخروج من هذا الحال ليس بالأمر السهل، فجراح القلب، بحسب موقع اوبرا، من أصعب ما يمكن تضميده ولملمته والبدء من جديد يتطلب استعدادا لذلك، وسط إدراك لأن القلب الحزين سيشفى، وعليه أن يستعيد عافيته.
ولكن من العصب على من هم في هذه الحالة ويعانون من ألم غائر في الروح والقلب أن يكونوا مدركين لأهمية الخروج من حالتهم، فهم يشعرون بضيق نفس وغصة تتركهم هائمين وفي حالة من التوتر والعصبية تحجب أي نداء وتركيز لكل ما يتعلق ويرتبط بـ"الحب"، وتعرضهم لها قد يجعل الدموع تنهمر كالمطر.
الارتباط العاطفي، بحسب مؤلفة كتاب "healing broken heart" كاثرين أليس، مسؤول عن كثير من القلق والغيرة اللامتناهية وحزن لا ينتهي على حب ذهب وولى، ويعيق القدرة على التحرك والمضي قدما في الحياة، وبمجرد كسر الحاجز هذا، ستكون محايدا للشخص، الذي كنت تكن له كل هذه المشاعر.
ومن الطبيعي أن تنتابنا، عند رؤية من كان محور حياتنا مع شخص آخر، موجات عاطفية منها البكاء والسخط والغضب والحزن، ولكن هذا لا يعني أن نتمنى لهذا الطرف المرض والكراهية والموت، بل هذا يعني ببساطة أننا لا نرى السبب الذي علقنا به عاطفيا، وهذا سبب جيد للبدء في التخلي عن كل شيء ومتابعة الحياة.
وهناك خطوات يمكن اتخاذها من شأنها مساعدة أي قلب فيه ألم أن يكون مستعدا للتعافي شيئا فشيئا والتحرر من الألم تدريجيا، وفي حال حاول تجربتها سيغدو قادرا على متابعة الحياة براحة أكبر، وسيشعر بمساحة من التحرر من الألم وهي:
- أطلق العنان باستمرار، وكن واعيا للمرات التي تفكر بها بحبك السابق بعد الافتراق، فهناك أمر ما، يضغط زرا في الذاكرة أو صديق يسألك عن أحوالكما، وهذا يعني أنك لاشعوريا تبقى على كل اتصال يربطك بهذا الطرف من أفراد في العائلة وأصدقاء على أمل أن تعيد إحياء العلاقة من جديد. فالشريك السابق هو مرجع خاص بك، فإن كنت تتساءل ما الذي سيظنه إن غيرت في شكلك أو ما الذي يخطط له، فستجد نفسك في مرحلة تعذيب ذاتية، جراء التفكير في كل ما يفعله ويتخيله مع شخص آخر.
وهذا النمط من التفكير، ليس مفيدا لك، ومن الواجب أن يتوقف هذا السلوك، حتى لا تبقى معلقا في تلك الزاوية المظلمة، التي تثير الشفقة وأحيانا الإحراج، فإن كان هناك سحر بينكما، وقدر لكما أن تكونا مع بعضكما بعضا، فلن يفرقكما شيء أبدا، ولكن في الوقت الحالي أنت بحاجة لترك الأمر يمضي، ويجب أن تواجه هذه الحقيقة، أنكما منفصلان، ولن تعودا ثنائيا بل كل فرد على حدة.
ولتخطي ذلك، يجب وقف كل سلوك يدفع بك نحو الطرف السابق، فلا مزيد من المكالمات الهاتفية غير المبررة، وتجنب الأماكن التي يتواجد فيها أحدكما دوما، إن أمكن ذلك. كما أنك تحتاج إلى التوقف عن التفكير، بإعادة اجتماعاتكما معا، وحتى تخيل ذلك قدر المستطاع، وفي كل مرة تفكر بهذا تذكر "أنا حر الآن، وأنت لم تعد بحياتي، فأنت من تخلى عني وهي خسارة لك"، هذه مجرد عبارات في البداية، لكن العقل يتقبلها مع الوقت، فمع اقتناعك بها ستجد نفسك قادرا على الكف بالتفكير اللامتناهي في ذلك الشخص طوال الوقت، وسيبدأ الكون بدعمك، وتجري الأمور كما تريد، حيث تتوازى الأحداث، وتتحسن عفويتك ونفسيتك، لتسحبك باتجاه مغاير أفضل.
- ركز على ما هو آت وما تملك، ركز على حياتك الخاصة حين تسحبك أفكارك نحو حبك السابق، وهذا هو الشفاء.
فخلال فترة الحزن التي تمر بها، وهو أمر طبيعي بعد التفكك، يجب البدء بفتح صفحة جديدة لرؤية الحياة كما نريد، ولا تنسى أن العلاقات الناجحة موجودة وأن القدر لم يشأ لك أن تكون برفقة هذا الفرد، وحياتك مهمة مثل حياته، مهمتك الآن، أن تعيد الأزهار والحياة لنفسك، وأن تبحث عمن يكلمك، بدلا من البكاء على أطلال لن تعود، فتبقى عالقا مكانك، فيما الطرف الآخر يمضي ويتجاوز كل ذلك، فحينها فعلا تكون أنت الطرف الخاسر.
فكر بأنك قوي مهما كانت مشاعر الشوق تحكمك، وفي كل مرة شعرت بحنين للماضي فكر بنفسك وانظر للغد بإيجابية فلا ترى غدا مظلما أو وحيدا، بل انظر لنفسك قويا بهالة من الضوء مميزا عن غيرك، فمن لم ير مميزاتك الآن سيراها حين تكون مشتعلا بالبهجة والسعادة، فالعيون تعكس الرغبة للحب، وتشد الباحثين عنها، لذا أعد تكريس ذاتك لأجلك،   فالذكريات ستبقى، ولكن الأشخاص يرحلون، ولا تعش سجين ذكريات تاركا العمر يمضي.
- قاوم الألم، يجب الابتعاد عن الشعور بالخسارة الفاجعة، عبر الشعور بالألم كله وإطلاقه، لا تخزينه بالداخل، بحيث يتأجج من أقل مؤشر وتوتر، فالدموع طريق نحو الشفاء، لذا ابكِ وعانق نفسك، وامنح نفسك وقتا خاصا وعزلة، واترك مساحة لروحك لتهيم، ولا تحارب الألم داخل قلبك، واسمح له بالظهور ووافق عليه، فهو جزء من استكمال العلاج الروحي لذاتك.
ومن ثم باشر بالتخلص من مخزون الألم الداخلي، وعلم نفسك عدم الشعور بأي ألم جديد بتغيير المنظور الخاص بك من الداخل، واعلم أن لا أحد يريد إيذاءك.
كما أن إنهاء مصدر الألم المغذي الداخلي، الذي يعرف بـ"ملكة الدراما"، يحتاج إلى خبرة في الألم وفي الحياة والعلاقات، وتلك تختلف من فرد لآخر، فالبعض يفضل الشعور كضحية، ويعيش الدور، ويصوغ سيناريوهات عليه، لذا في المرة المقبلة التي تشعر فيها بألم، توقف عن الشعور كضحية، وأخبر نفسك أنك لن تفكر به مرة أخرى، ولاحظ أنك أنت من يغذي مشاعره، فإما أن تكون من يطلقها فورا، أو يؤججها بألم لن ينتهي.
والتصرف البسيط هو عدم اليأس بشكل كبير، وحاول تذكر كل الأمور الأخرى الجيدة في حياتك، خارج نطاق دائرة ذلك الطرف، لتدفع نفسك نحو سعادة جديدة وسلام داخلي.
واعلم دوما أن آلام القلب وجرحها هي الدافع لك لعالم مليء بالسحر والشفاء رغم اعتقادك أنها نهاية الكون للوهلة الأولى، وكل قلب قادر على الشفاء، وتعلم الحب من جديد بطريقة أفضل، وتلك هي تجارب الحياة التي تجعلنا ناضجين وحكماء ومميزين.

[email protected]

israalradaydeh@