ضمّ المستوطنات

على وقع الانتقادات والضغوط المتصاعدة على نتنياهو، يذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي باتجاه إعلان السيادة وضم المستوطنات في الضفة الغربية وليس 30 % من أراضي الضفة والغور كما كان يقول سابقا. الضغوط ليس فقط من القوى الرافضة للضم من حيث المبدأ، بل كثير من أصدقاء إسرائيل يرون بالضم درجة كبيرة من اللاعقلانية والانتحار السياسي، لأنه عمليا يؤسس لحل الدولة الواحدة لشعبين إما أن تكون دولة فصل عنصري ضد المواطنين الفلسطينيين أو أن تكون ديمقراطية فتصبح الغلبة السياسية الانتخابية للفلسطينيين فتتلاشى إسرائيل وتزول. يترافق ذلك مع حقائق مهمة منها أن 38 % من قاعدة حزب الليكود الانتخابية لا تؤيد الضم على طريقة نتنياهو. كما أن قيادات حزب نتنياهو بدأت تتحدث علنا وأحيانا نقلا عنه أنهم لن يقبلوا بصفقة القرن إذا ما عرضت للتصويت أمام الكنيست لأنها تتضمن قيام دولة فلسطينية وهو ما لا يمكن لهم قبوله. هذا يجعل أجواء صناع القرار الأميركيين المعنيين بالصفقة يشعرون أنهم طعنوا بالظهر، وأنهم باتوا ضحية لألاعيب حزبية إسرائيلية.اضافة اعلان
يترافق ذلك مع مزيد من الأصوات العربية التي تتحدث عن خطورة الضم وأنه بالفعل سيعيق أي تقدم للعلاقات مع إسرائيل. أوضح هذه الأصوات المقال الذي كتبه سفير دولة الإمارات في واشنطن في صحيفة إسرائيلية يحذر فيه من ضم أراضي الضفة والغور، وأن ذلك سيكون عائقا حقيقيا أمام أي انفتاح على إسرائيل. مبادرة السفير بالتأكيد منسقة، شجاعة ومهمة، اشتبكت مع الداخل الإسرائيلي وأضافت للمشهد عقلانية سياسية، وسحبت البساط من تحت أقدام نتنياهو وغيره الذين يقولون ويعتاشون على مقولة إننا ماضون في علاقاتنا مع العرب والانفتاح عليهم بصرف النظر عما نفعل مع الفلسطينيين. المقال يعبر عن مضمون ومنطقية الموقف العربي من النزاع الدائر والذي يستند إلى ضرورة بل وبديهية حل الدولتين ليس فقط كمطلب وطني فلسطيني يشكل جوهر المشروع الوطني للشعب الفلسطيني والسلطة، بل لأنه الحل المنطقي الذي يتسجيب للضرورات الميدانية، ولأن إسرائيل منطقيا وبديهيا معنية بقيام دولة فلسطينية وإن لم يعجبها ذلك لأن بديل الدولة إما دولة واحدة الغلبة فيها للفلسطينيين أو فراغ سياسي وأمني سيستمر إلى أن تقوم الدولة وتتحقق آمال ملايين الفلسطينيين في الداخل والخارج.
الغالبية المتابعة والمعنية بمسألة الضم في إسرائيل والولايات المتحدة باتت تدرك تكلفة ذلك وسلبياته السياسية والأمنية، وبات وجه الليكود الحقيقي يتكشف أنه حزب تعلو فيه الأيديولوجية الدينية على حقائق السياسة الواقعية، وأن قبول زعيمه نتنياهو لصفقة القرن في واشنطن كان كذبا وتدليسا لأنه معني فقط بالجزء الذي يريد من الصفقة، أما ذلك المرتبط بقيام الدولة الفلسطينية فهو الجزء من الصفقة الذي لا يقبله نتنياهو وإن لم يجرؤ على قول ذلك في واشنطن. مهم ومثير أن نرى كيف سيؤثر كل ذلك على مصداقية نتنياهو وحزبه في واشنطن.