ضم الضفة الغربية: خباثة سياسية، أم لعبٌ بالنار؟

محمد أحمد الزواوي

ما تم طرحه تحت مسمى «صفقة القرن» لا يعدو كونه إطارا لمفاوضات مفترضة وليس بأي حال من الأحوال اتفاقية لعدم وجود طرف آخر على الجانب المقابل من الطاولة وحتى عدم معرفته بالموضوع من أساسه، بمعنى أن تلك الصفقة وتبعاتها على أرض الواقع قابلة للرفض عند توفر الإرادة لذلك. بصرف النظر عن طرح الصفقة بالطريقة السينمائية التي عرضت بها أو الاسم الذي لا يخلو من الدراما الذي أطلق عليها! أما التعامل وكأنها أمر واقع وحل وحيد فهو غير دقيق من الناحية الفعلية، بل على العكس فإنها تتعارض برمتها والقانون الدولي وقرارات سابقة لمجلس الأمن وأهمها 242.اضافة اعلان
علينا بأن ندرك بأن توقيت عرض الصفقة جاء في ظروف داخلية معينة مرت على انتخابات دولة الاحتلال، حيث عجز رئيس الوزراء في حينها من حسم الانتخابات حتى بعد ثلاث جولات حتى اضطر صاغرا للتنازل لغريمه والقبول بحكومة وحدة. يترك كل ذلك من الناحية العملية، هذا الإطار المسمى بالصفقة مجرد مقترح أو حتى توصيف لواقع فعلي عرض بطريقة تخدم غايات الاستهلاك المحلي لتحقيق مكاسب انتخابية وحسب، وربما بطريقة ما طوق نجاة رمته الإدارة الأميركية في حينه لإنقاذ حليفها في انتخاباته.
ولأنه لا يوجد ثابت في عالم السياسة، فإن الظروف الآن قد تغيرت، وأضحت الإدارة الأميركية بدورها بحاجة من يلقي لها بطوق النجاة عشية الانتخابات القادمة التي ربما أصبحت في أبعد نقطة عن الفوز بها، فبدأت بالتالي الضغط على حكومة الاحتلال لتأجيل الضم الكامل حتى قبيل الانتخابات الأميركية المقبلة في نوفمبر القادم حتى تستخدمها مجددا للاستهلاك المحلي لكن هذه المرة في الولايات المتحدة الأميركية.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن الإجراءات التي سمحت بها وسهلت حدوثها هذه الإدارة الأميركية ليست وليدة الأمس. إنما هي نتاج سنوات وعقود طويلة من خطوات بنيت بدون مواربة على منهجية خاطئة للتعامل مع طرف محتل يتقن فن لي الأذرع على صعيد السياسة الدولية. بالإضافة إلى إجراءات أحادية على الأرض من طرف واحد جرت بقوة السلاح واختطاف الرأي العام العالمي لدرجة التواطؤ، بدون أي ردة فعل تذكر فيما عدا بعض الظواهر الصوتية هنا وهناك. في الحقيقة، القدس سقطت من حسابات معظم الدول العربية يوم احتلالها بالكامل العام 1967، حيث أدارت ظهورها لها الواحدة تلو الأخرى كلٌ بحسب ظروفه. فيما عدا المملكة الأردنية الهاشمية التي تمسكت بوصايتها التاريخية على الديار المقدسة.
إذن الوضع اليوم بصفقة أو بدون هو سيان، فمثلا وعلى سبيل الافتراض لو جاءت إدارة ديمقراطية قررت لسبب ما منح الفلسطينيين القدس الشرقية وكامل تراب الضفة الغربية، فهل سيوافق الطرف الآخر؟ الاجابة البسيطة لا. أما الإجابة الأقرب للواقع الفعلي بأنه لن يسمح للظروف بأن تصل به الى هكذا خيار بالأساس. باختصار، وقعت اتفاقية اوسلو تحت إدارة اميركية معينة، وبناء عليه قبل العرب بسلطة منقوصة السيادة، وبدون اطار ضامن للمرحلة التالية، ثم طلب منها أن تجلس الى طاولة المفاوضات بدون أي اوراق تقايض بها تلك السلطة باقي أرضها المنشودة؟ المصيبة بأن يجيب أحدهم بأن الركيزة هي الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، والتي هي بالأساس رهينة دولة واحدة منذ أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، والتي شاء القدر بأن تكون هي نفسها الراعي الاول لطرف بعينه في تلك المفاوضات المفرغة من معناها.
بالنهاية، الوضع الحالي على أرض الواقع هو مجرد «سلام» هش قام وبقي على أسس غير عادلة بعيدة عن الحق، وعدم وجود إرادة حقيقة وبالتالي تغيير المقاربة مع هكذا طرف مراوغ هو المتغير الذي سقط من الحسابات، فإن ما حدث على الأرض وسيحدث من ضم لمستوطنات الضفة الغربية ما هو سوى مزيد من خطوات تتخذ نحو تصفية القضية برمتها، وبالتالي تهديد الأمن القومي الأردني نفسه، الذي تقع القضية الفلسطينية تاريخيا في قلبه.
في نهاية الأمر لا يصح سوى الصحيح، هذا يقين لا شك فيه! لكن فقط عندما يتم اتخاذ خطوات فعلية توقف الانتهاكات وتغيير الواقع على الأرض، بما أن المملكة الأردنية الهاشمية ومنظمة التحرير الفسطينية على ما يبدو قد بقيتا وحدهما أمام ذلك التيار الجارف، فقد حان الوقت الآن للعب كروت يملكها كل منهما على عكس ما يعتقد الكثيرون، وخصوصا في ظل ظروف عدم اليقين التي تسيطر على الانتخابات الأميركية، وبأن هناك من يعارض ضم الضفة الغربية داخل دولة الاحتلال ربما أكثر ممن يؤيدها.