"ضيوف" داخل المنازل بدون موعد مسبق!

منى أبوحمور

عمان- حرج وتوتر كبيران شعر بهما الأربعيني إبراهيم علي الذي تفاجأ بزيارة أقاربه له، دون موعد سابق، في الوقت الذي كان ينتظر أشخاصا آخرين قام بدعوتهم على العشاء.
يقول "كانت رؤيتهم عند الباب صدمة كبيرة"، واصفا الإحراج الكبير الذي انتابه وهو واقف متسمرًا عند الباب، والدهشة التي سيطرت على تقاسيم وجهه.
ويضيف "من شدة الصدمة نسيت أن أسمح لهم بالدخول!"، ويتابع إبراهيم، واصفا مدى انزعاجه وغضبه بسبب هذه الزيارة المفاجئة، خصوصا وأنه كان في انتظار أصدقائه على العشاء.
ولم يقتصر الإحراج على مجرد حضورهم دون موعد سابق فحسب، وإنما هنالك تبعات هذه الزيارة التي وضعت إبراهيم في مأزق كبير، خصوصا عندما جاء موعد العشاء، الأمر الذي "كركب" الجميع ووتر أعصابهم.
يقول ابراهيم "اضطررت أن أترك ضيوفي وأذهب إلى مطعم قريب من البيت لأحضر وجبات مضاعفة للعشاء، حتى تكفي الموجودين جميعا"، شاعرا بالاحراج من ضيوفه الأصليين الذين لم يندمجوا مع أقاربه الذين جاؤوا بدون موعد.
زيارة أنسباء الثلاثينية هيام عمار، في الساعة الثامنة صباحا، ودون إخبارها بقدومهم، وتّرها كثيرا، وسبّب لها إحراجا عظيما.
"رؤيتهم عند الباب موقف لا أُحسَد عليه"، تقول هيام، خصوصا وأنها امرأة عاملة، كانت في تلك اللحظة تجهّز نفسها لاصطحاب أولادها إلى الحضانة من ثم الذهاب إلى العمل.
وتستهجن هيام متسائلة "كيف يمكن لأحدٍ أن يزور آخرين في مثل هذا الوقت الباكر، ومن دون سابق اتصال؟".
لم تثرْ هذه الزيارة توتر هيام ودهشتها وحسب، بل ظهرت ملامح الغضب والاستنكار على تقاسيم وجهها، فكانت ردة فعلها قاسية، نوعا ما، من شدة الضغوط التي كانت ستقع على كاهلها بسبب هذه الزيارة التي جاءت على حين غرة.
حال الثلاثينية حنان الخالدي لا يختلف كثيرا عن حال هيام، فهي الأخرى، وعلى الرغم من إبلاغ الجميع بأن طبيعة عملها لا تمكنها من استقبال الضيوف في أي وقت، ومن دون اتصال، إلا أنها وعلى الرغم من ذلك تتفاجأ في كثير من الأحيان بضيوف يطرقون الباب.
"أكثر ما يستفزني هم هؤلاء الأشخاص الذين يزورونني، بما يناسبهم وليس بما يناسبني أنا!" هذا ما جعل حنان، كما تقول، تحدد علاقتها بالكثير من الناس.
تقول "أنا لست مضطرة لأن أستقبل ضيوفي على "مزاجهم وفضاوتهم"، مبينة أنه من حقها استقبال الأشخاص المناسبين، وفي الوقت الذي يناسبها.
الخمسيني أحمد مبيضين يرفض هو أيضا هذا النوع من الزيارات، خصوصا بعد اختلاف الزمان والمكان. يقول "في الماضي كنا نستقبل الزوار في أي وقت"، وهنا يستذكر أحمد تلك الأيام التي عاشها في بيت والديه، حيث كان يتبادل جميع الناس الزيارات في أي وقت.
ويضيف مبيضين أن انشغال الناس، وكثرة مشاكل الحياة، والظروف الاقتصادية الصعبة، كلها أمور جعلت هذا النوع من الزيارت مرفوض وغير محبب، خصوصا وأن كثيرا من السيدات عاملات.
في هذا الشأن يشير اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور حسين محادين، إلى أن هذا الأسلوب يعبّر عن غياب التقسيم الدقيق للوقت الذي يستلزم تكامل أجزائه الثلاثة، وهو وقت قضاء الحاجات الأساسية، وقت العمل، ثم الوقت الحر.
ويجد محادين أنه يفترض أن يستثمر الوقت الحر بصورة منظمة، ليكون جسرا للتواصل المريح بين الزائر والمضيف في المجتمع الأردني المتحول نحو المدينة.
ويضيف أنه ما يزال هناك تداخل مؤذ في أحيان كثيرة، بين وقت العمل وبين الإجازة، ومرد ذلك هو اعتقاد كثير من الأشخاص بعدم أهمية استخدام وسائل التكنولوجيا المتاحة لتنظيم مواعيد الزيارات.
ويرى محادين أن هذا الأمر بمثابة اختراق للخصوصيات، دون مبرر مقنع للزيارات المفاجئة، أو إطالتها، وهناك عدم مراعاة خصوصية المستضيفين.
ويؤكد محادين أن هنالك فجوة حضارية واضحة في التعامل مع تنظيم الوقت، والتكنولوجيا، وهناك عدم نضوج في العلاقات مع الآخرين بالمعنى المدني، فأي شخص ليس متفرغا على الدوام لاستضافة الآخرين، فمن الخطأ أن يعتقد الناس أن ما يناسبهم من وقت يناسب غيرهم.
وينوه محادين إلى أن العلاقات العائلية ضعفت في المجتمع، ولم تعد كما كانت في السابق، لافتا إلى أهمية التخطيط المسبق لمثل هذه الزيارات، وتحديد مدتها، خصوصا وأن وجود التكنولوجيا قد سهّل الكثير على الناس.
اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة، يلفت إلى أن قضية احترام الوقت، وخصوصية الآخرين باتت شبه معدومة عند فئة من الناس، عازيا ذلك إلى الثقافة، وإلى البيئة والمجتمع الذي نشأ فيه هؤلاء الناس.
ويرى أن زيارة الآخرين دون اتصال، ومن دون تحديد موعد مسبق للزيارة، دليل على عدم إدراك الأشخاص لخصوصية الآخرين، واحترام وقتهم، ومتغيرات الوقت، وانشغال الناس، مشيرا إلى أن هؤلاء ما يزالون "يلتقطون" من حياة الأرياف التي كانت تتسم بالوقت المفتوح. ولذلك فإن هذه الفئة من الناس غير مدركة لضرر هذا السلوك على الآخرين، إذ يشكل هذا السلوك عبئا نفسيا على المستضيف الذي تقتحم خلوته.
كما يلقي هذا النوع من الزيارات، وفق مطارنة، بظلاله الثقيلة على المستضيف، إذ تصبح الجلسة غير مريحة، ويشوبها التوتر، إلى جانب الشرخ الذي قد يُحدثه هذا التصرف في العلاقات الاجتماعية، لاسيما وأن ردة الفعل تختلف من شخص إلى آخر.
ويؤكد مطارنة أن الأصل هو احترام الوقت، وخصوصية الآخرين، خصوصا وأن البيت هو الملاذ الذي يلجأ إليه الناس، طلبا للراحة.
ويحذر مطارنة من الجانب السلبي لهذا النوع من الزيارات، إذ تؤدي مثل هذه الزيارات إلى خلق اضطرابات في العلاقات الاجتماعية، وربما إلى انقطاعها، كما يعد نموذجا سيئا للأجيال المقبلة.

اضافة اعلان

[email protected]

@munaabuHammour