طارق متري.. مسيحي يقود الحوار في ليبيا

طارق متري، مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا - (أرشيفية)
طارق متري، مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى ليبيا - (أرشيفية)

لو ستيفن - (لوموند) – 2012/10/10
 ترجمة: مدني قصري
فوق مكتبه في الجامعة الأميركية في بيروت، تتراكم كومة من المقالات المخصصة للشؤون الليبية، ومجموعة من تقارير الأمم المتحدة. وقد بدأت بالفعل مهمةُ طارق متري، المتوقع حضوره إلى طرابلس في منتصف تشرين الأول (أكتوبر). وسوف يحل هذا المفكر اللبناني، الذي كان وزيرا مرات عديدة، محل البريطاني إيان مارتن، ليكون ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في ليبيا، ورئيسا لبعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا.اضافة اعلان
وقد جاء الإعلان عن تعيين هذا الخبير المحترم في الحوار بين الأديان يوم 12 أيلول (سبتمبر)، وهو اليوم الذي ورد فيه نبأ وفاة السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز أثناء الهجوم الذي شُنّ على القنصلية الأميركية في بنغازي. وما لبث الهجوم الذي وصفته واشنطن بأنه  "هجوم إرهابي مخطط له" أن أكد قناعة المتشائمين من الثورات العربية. لكن طارق متري ليس واحدا منهم. وهو يقول: "أنا لا أحب استخدام عبارة الربيع العربي، التي استعيرت من أوروبا، لتشير إلى فصل لا يستغرق سوى موسم واحد، والذي يعقبه شتاء إسلامي. أنا شخص عربي ما أزال على يقين، على الرغم من خيبات الأمل عند هذا البعض أو ذاك، بأن الثورات الإقليمية تفتح الطريق أمام مستقبل أفضل، حتى لو كان هذا الطريق طويلا وشاقا". وهكذا، يبدو هذا الرجل، ذو الشارب الكث، متفائلاً ومتحمساً كثيراً لـ "انتخابات تموز (يوليو) الناجحة، التي لم تفرز مناخا قاتما أحادي اللون". وفي طرابلس، سيرافق طارق متري العملية السياسية، ويشرف على المساعدة الفنية (العدالة، والشرطة)، وينسق عمل وكالات الأمم المتحدة.
في "طرابلس" مختلفة تماما، والتي يحفها البحر هي الأخرى، ولد طارق متري قبل 52 عاما: ليس طرابلس عاصمة ليبيا، إنما مدينة طرابلس الكبيرة الواقعة في شمال لبنان، والتي تقطنها أقلية مسيحية. ولهذا الأب لطفلين، المنحدر من الطائفة الأرثوذكسية، حياة مهنية أكاديمية طويلة في لبنان وفي الخارج أيضا. وقد أمضى أكثر من خمسة عشر عاما خارج وطنه الأم، لا سيما في جنيف، حيث قاد بين العامين 1991 و2005 برنامج الحوار بين الأديان في مجلس الكنائس العالمي. وهناك أدار تحديدا الحوار بين المسيحيين والمسلمين. وتقول عنه جاك جنفييف، الناشطة في منظمة "سيماد" (الرابطة النشطة التي تهتم بشؤون المهاجرين واللاجئين في فرنسا)، والعضو السابق في مجلس الكنائس العالمي: "لقد طور طارق متري حواراً حول قضايا المجتمع: احترام حقوق الإنسان، والتنمية.... وتمنحه معرفته بشؤون الغرب والشرق مصداقية حقيقية تؤهله لأن يكون رجل حوار لا ينطوي على السذاجة".
ومن بين نشاطاته في هذه الدائرة، يضاعف هذا الباحث، ومؤلف العديد من الكتب، وساطاته في البلدان المتضررة من الصراعات ما بين الأديان: سري لانكا، والفلبين والبوسنة والسودان ونيجيريا... كما يشارك في الاجتماعات الدولية حول العلاقات ما بين الأديان، أو البحث عن العدالة والسلام. وفي هذا السياق، تربطه صلات وطيدة مع "العديد من المعارضين الليبيين" في أوروبا، أو الذين كان يلتقي بهم أثناء زياراته السابقة إلى ليبيا تحت حكم الزعيم الليبي معمر القذافي. وهذا ما يؤمن له اليوم اتصالات جيدة مع الجهات الفاعلة في ليبيا الجديدة: "مع  الليبراليين والإسلاميين على السواء"، من أمثال الإخوان المسلمين. ويقول متري مستذكراً: "في قلب مجلس الكنائس العالمي، كنتُ أتحاور مع الإسلاميين الذين يرفضون العنف، ويقبلون بمبدأ التداول على السلطة".
ويقول محمد نكاري، القاضي والمدير السابق لدار الفتوى (وهي أعلى سلطة دينية سنية في لبنان): "يعرف طارق متري أيضا معرفة جيدة فكر الجماعات السلفية المتطرفة والراديكالية. وهو وإن كان مسيحياً فإنه مواطن من العالم العربي. وهو يملك من الصفات ما يسمح له بأن يبدأ مناقشات بين الدولة الليبية والفصائل"، التي تمثل تحديا للحكومة المركزية.
في أواخر التسعينيات، كان متري قد أطلق حواراً ما بين اللبنانيين، من خلال جمْع 25 مثقفا ومسؤولا سياسيا، في مدينة مونترو أوّلا،  ثم في سويسرا. وقد استمرت الاجتماعات حتى العام 2004. كما شارك عالم السياسة جوزيف بحوط في هذه المغامرة التي يقول عنها: "لقد شهدنا تطور موهبة رجل حكيم، قادر على جمْع الناس من أطياف متنوعة، بل وجدّ متباينة في بعض الأحيان، من أجل التوصل إلى تسويات مفيدة وذكية. لا شك أن تجربته الملتزمة هذه، كوسيط وكمثقف، ستساعده كثيرا في ليبيا".
وإذا كان حسه الحواري يحظى بالمدح والإطراء، فإن التزام السيد متري السياسي بلبنان لا يجد إجماعا في هذا البلد الذي تميز بالانقسامات ما بين معسكر 14 آذار (المعارضة التي كان يقودها سعد الحريري) وبين معسكر 8 آذار (الأغلبية التي كان يقودها حزب الله). فبعد عودته من سويسرا إلى لبنان العام 2005، أصبح حتى العام 2011، وعلى التوالي: وزيرا للثقافة، ثم الإعلام، ثم الخارجية بالإنابة، بعد أن شارك في أول حكومة انتقالية نُصّبت في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. "لقد أصبح متري وزير  صدمة وقتال، في معسكر 14 آذار". هكذا يذكّرنا جوزيف بحوط، أستاذ العلوم في معهد العلوم السياسية. الذي يضيف: "وقد أثبت أنه يملك قامة سياسية، وأنه يتمتع بحس علاقات القوة، لكنه فقدَ صورة الرجل المستقل".
وكان طارق متري قد فاوض أيضا في الأمم المتحدة موضوع إنشاء المحكمة الخاصة للبنان، التي تم التصويت عليها في العام 2007. وهذه المحكمة المكلفة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري، ما تزال تقسم اللبنانيين إلى كتلتين متساويتين تقريبا. ويقدر الوزير السابق أن "التغيير في سورية سوف يتيح  للبنان أن يصبح  دولة طبيعية، لا توجهها محليا مصالح إقليمية". لكنه في هذه الأثناء سيؤدي مهمته بعيدا عن هذا المسرح، في ليبيا التي تبدو فيها "وعود نجاح الثورة" كبيرة!


*نشر هذا المقال تحت عنوان:  Tarek Mitri, un chrétien libanais au chevet de la Libye