طالبة جامعية تعيدنا لزمن جميل

محمود الخطاطبة من العادات والتقاليد الرائعة، التي نشأ وترعرع عليها الأردنيون، والتي تنم عن كرم وطيبة وأخلاق وإنسانية، أن كل عائلة كانت دومًا تشعر بالجيران الذين حولها أو من ضمن الحي الذي تقطنه، وبالأخص أولئك الذي يشكون ضيق الحال وعُسرة المال، إذ كانت تُخصص جزءًا من الأكل الذي تطبخه، ولو بمقدار صحن، تبعث به إلى الجيران الأقرب، خصوصًا المُحتاجين منهم. والأروع من تلك العادات والتقاليد، أن ذلك «الصحن» أو الجزء من الطعام، كأن يُؤخذ من «رأس الطبخة»، التي يأكل منها أهل الدار، قبل أن يلمسها أي من أفراد العائلة، وكأنها حق أو حُصة إجبارية.. وذلك ينطبق أيضًا على حارس «العمارة»، أو العامل الذي كان يعمل في الطرقات العامة ضمن منطقة كل عائلة.. فكم نحن الآن بحاجة إلى مثل تلك العائلات التي يتحسس بعضها بعضًا، وتشعر مع الجار، فتفرح لفرحه وتحزن لحزنه. تلك شيم وصفات حميدة، موجودة في كل وقت وحين، وفي مختلف مناطق الوطن، ولكن للأمانة أصبحت «شحيحة» أو قليلة، تحتاج إلى من يُحييها من جديد، أو بمعنى أصح العمل على الإكثار منها، فمثل تلك العادات الرائعة، تنم عن حب الخير والشعور مع الآخرين وأوجاعهم. في يوم الـ21 من شهر تشرين الثاني الماضي، والأجواء ماطرة وشديدة البرودة، حيث كان أول أيام هطل المطر في هذا العام.. كانت إحدى طالبات كلية اللغات في الجامعة الأردنية، تُعيد لنا الأمل في إحياء مثل هذه العادة التي تنم عن كرم أصيل، عندما قامت بتقديم وجبة مُتواضعة لأحد عاملي النظافة في الجامعة، تتكون من قطعة خُبز مُحلى (كرواسون)، وكأس من الشاي. الأمر جدا عادي لحد الآن، لكن ما يدل على الكرم الأصيل لهذه الطالبة، وأنها تربت على أسس صحيحة سليمة، قائمة على حب الآخرين والشعور معهم، أنها كانت تتناول الوجبة نفسها، والمُكونة من قطعة الخُبز وكأس الشاي.. فإحدى إمارات الكرم، الإطعام من طعامك نفسه، إن لم يكن أفضل منه. بإقدام تلك الطالبة، التي لم أسأل عن اسمها، على خطوتها الحميدة تلك، تُعيدنا إلى ما كان عليه الآباء والأجداد، أيام الطيبة والأخلاق والنخوة والشهامة.. أيام الزمن الجميل، حيث كان يتفقد الجار جاره، ويتحسس مشاكله، وكأننا أمام لوحة كرم جميلة، لوحة إنسانية، بدأنا نحن كأردنيين نسيانها، أو تناسيها، جراء ضغوط الحياة اليومية القاهرة، والظروف المعيشية الصعبة، التي باتت طارقة لكل بيت أردني تقريبًا. لا أحد يُنكر بأن هُناك جمعيات خيرية، ترعى وتكفل أيتامًا وأسرًا فقيرة الحال، أو تتكفل بعلاج أُناس لا يملكون ليس فقط علاجهم، بل قوت يومهم كذلك، لكن يتوجب الإشارة إلى أن هذه الطالبة الجامعية، تأخذ مصروفها اليومي، من أب أو أم أو أخ أو أخت، وجادت أقلها بنصف ذلك «المصروف»، مُقدمة نوعًا من الإيثار، من الموضوعية والنُّبل تسليط الضوء عليه. نعم، لمسة إنسانية أكثر من رائعة، بعيدًا عن أنه يوجد عمال في هذه الجامعة، لا يستطيعون شراء وجبة غذائية عادية، لقلة قيمة رواتبهم الشهرية، إذ يبقون على «لحم بطونهم»، حتى انتهاء وقت دوامهم، ومن ثم الوصول إلى بيوتهم، حتى يستطيعوا أن يأكلوا، فهناك كثير من الطلبة، يأتون إلى الجامعة لا يملكون من الأموال إلا أجرة المُواصلات من البيت إلى الجامعة والعكس، فهؤلاء بحاجة إلى مثل هذه اللفتة. الأمل معقود على العودة إلى مثل تلك العادات والتقاليد، متضرعًا إلى الله عز وجل أن يُكثر من أمثال تلك الطالبة، فمع زيادة مُعدلات الفقر، وقلة فرص العمل، أصبح الأردن بحاجة إلى مبادرات خير، تعود بالنفع على أبناء المُجتمع. إن المحبة والإنسانية اللتين كان المُجتمع الأردني ينعم بهما، كانتا سببًا لوجود البركة، في زمن، يصفه الكثيرون بأنه «جميل»، الجميع يترحم عليه الآن.. فهُناك مقولة: “أن تعثر على الحب دون تخطيط، واحدة من أهم النعم التي منّ الخالق بها على الإنسان”.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان