طريق القمح

د. منذر الحوارات قد يبدو العنوان غريباً على المسامع التي اعتادت على عبارة طريق الحرير وهو مسار السلع الصينية الى كافة أصقاع العالم والذي تحاول الصين اعادة احيائه من خلال مشروع الحزام والطريق، لكن الحرب الدائرة في أوكرانيا اثبتت أن ثمة طريقا آخر مساراته بحرية تكشفت خرائطه وبدت واضحة لكل متضرر إذ تتبعت الأمعاء المثقلة هلعاً من خطر الجوع بعناية شديدة ملامح هذا الطريق بل وربما كادت ترصد حبات القمح التي قُدر لها أن تقطعه لكن الحرب كشفت ايضاً عن هشاشة هذا الطريق الذي في جُله بحري وايضاً السرعة الملفتة لإصابته بالعطب فسرعان ما توقف مع أول إرهاصات الحرب ومع توقفه كشف هشاشة وضحالة المنظومة الإستراتيجية للغذاء بشكل عام والقمح بشكل خاص فها هي دول عديدة بدأت تئن من وطأة التضخم وشح المعروض من هذه المادة الغذائية المهمة والتي مزقت الوسادة الفعلية لأمعاء الفقراء والمؤسف أن أغلب هذه الدول تقع في منطقتنا العربية. فمن بين العشر منتجين الكبار لمادة القمح لن تلمح أي دولة عربية لا في مقدمة القائمة او حتى ذيلها رغم أن منطقة الهلال الخصيب هي من طورت زراعة القمح قبل ثمانية آلاف عام لكن تتبع قائمة المستوردين تشير مباشرةً الى أن المراكز الأولى والوسطى والأخيرة هي من حصة العرب وهو أمر محزن حقاً سيتذرع الساسة وراسمو الخطط الاقتصادية والزراعية بشح المياه والتصحر وارتفاع درجات الحرارة والتغير المناخي وغيرها الكثير من الحجج والأقاويل ولكن الحقيقة الواضحة تقول ان للهزيمة آلاف المبررات ونحن نسوق كل تلك المبررات لأننا انهزمنا في معركة التنمية بكافة أشكالها البشرية والاقتصادية والزراعية ولهذا السبب وجدنا انفسنا منذ اللحظة الاولى لاندلاع الحرب الاوكرانية في مقدمة ضحاياها باستثناء بعض الدول التي حباها الله بالنفط والغاز والتي استفادت من فرق الاسعار وهذه نعمة إلهية ليست من صنع أيادينا أو سياسيينا. قد يحاجج البعض بأن هذه السلعة ربما تكون وسيلة ضغط او اخضاع لدولنا على شكل حرب غذائية من قبل الدول المهيمنة وأنا لا يستهويني هذا الاعتقاد إذ إن استمرار الكثير من النظم السياسية في المنطقة مرهون بعلاقته الزبائنية مع الدول الكبرى لذلك لن تشكل هذه معضلة أمام النظام الرسمي العربي لكن ما يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار أن الأمعاء الخاوية هي أقصر الطرق للثورات الاجتماعية على مؤسسات الحكم وربما تحرك هذه المخاوف صناع القرار للتمعن في الأمر فأغلب الحراكات الاجتماعية وأقربها ثورات الربيع العربي كان دافعها الفقر والجوع والبطالة وكانت على شكل انفجارات اجتماعية أكثر منها ثورات منظمة. اذاً لم يعد الأمر نزهة عقلية أو ترفا نخبويا فالعالم مرشح للمزيد من الصراعات بين الدول والشعوب والتجارب السابقة أثبتت هشاشة منطقتنا وسرعة تأثرها بتلك الاحداث، وفي المرات المقبلة ومع تراكم تلك الصراعات وما يضاف لها من تغير مناخي لن تؤدي الى انفجارات تهدد المؤسسات السياسية وحدها بل ربما تهدد بنسف الأسس التي قامت عليها الدول وهي رخوة في الأساس مما قد يدخل دول المنطقة في دوامة الدول الفاشلة بعد إخفاق الدول القطرية في تبني نظام يتمتع بقبول الجميع، اذاً فطريق القمح رغم ضبابيته السابقة إلا أنه قد يكون شريكاً أساسياً في رسم مستقبل العديد من دول المنطقة طالما لم تقرر الاعتماد على نفسها في تأمين احتياجاتها من الغذاء والقمح في مقدمته لعلها ذات يوم تمتلك طريقها الخاص للقمح الى العالم وليس من العالم. للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان