"طعن أستاذ يحب السلام!"

عندما قرأت العنوان في صحيفة "نيويورك تايمز" لأول مرة، لفتني أنّه يتحدث عن معلّم يدعو للسلام تم قتله. وفورا، بدأت أفكر: من هو؟ خطرت ببالي مدينة الخليل، وتحديداً هاشم العزة (54 عاماً)، الذي استشهد قبل أيام بفعل قنابل الغاز التي أطلقها الجيش الإسرائيلي. وقد قابلته مرة بشكل عابر، ولم أعرف عنه إلا أنه كان قريبا من الشباب المناهض للاستيطان في الخليل، والذين يتصدون للمستوطنين بوسائل نضال مدنية، تعرضهم لخطر اعتداءات الجيش والمستوطنين باستمرار. ولم أعرف إن كان أستاذا.اضافة اعلان
لكن الخبر ليس عن العَزّة. يتحدث التقرير الذي نشر في الصفحة الأولى من "نيويورك تايمز"، تحت عنوان "أستاذ قتله الفلسطينيون، يتذكرونه كرجل سلام"، عن شخص هاجر من الولايات المتحدة قبل ثلاثين عاماً، مع عائلته، تبكيه حفيدته وتتذكر كيف كان يعلّمها ركوب الدراجة الهوائية، ويتذكر الناس كيف كان يدّرس الموسيقى، ويحث على التعايش الفلسطيني اليهودي، مستخدما "فيسبوك". كان مدير مدرسة ابتدائية قبل هجرته واستقراره في القدس، حيث صار يعلم الإنجليزية لليهود والعرب على السواء. وبحسب الصحيفة، كان يمكن أن يكون من هاجموه في حافلة، وهو عائد من مراجعة الطبيب، وهو في سن السادسة والسبعين، وأطلقوا الرصاص على رأسه وطعنوه في وجهه وصدره، من تلاميذه. وأحد المُهاجمين الاثنين، نُقل للعلاج في المستشفى ذاته (هداسا)، الذي هو بحسب التقرير واحة تعايش يهودي عربي، وكيف تعافى المُهاجِم بينما مات الأستاذ!
أجريتُ في الأيام الماضية عدة مقابلات هاتفية مع صحف عالمية أميركية وغربية أخرى، حول الوضع في فلسطين، مهتماً بمخاطبة الرأي العام الدولي، مع شعور بالقلق -من ملاحظتي الشخصية، التي تحتاج للتوثق منها بأدوات ملاحظة علمية- أنّه في حالة هذه الانتفاضة تحديداً، هناك تحيز إعلامي غربي "مرعب" يخفي الشق الفلسطيني من الرواية، أكثر من مرات سابقة.
في حالة الصحف الغربية التي التقيتها هذه المرة، كانت النتيجة "مرعبة" بمعنى الكلمة؛ إحدى الصحف عدا عن حشرها ما أقوله ويقوله فلسطينييون أو حتى غربيون محايدون، في نهاية تقريرها، وضعت مع التقرير ست صور، لا مكان فيها للضحايا الفلسطينيين، بل صور شبان فلسطينيين يحملون بلطات، أو يلقون حجارة، وإسرائيليين تعرضوا لهجوم فلسطيني، وأهاليهم يبكون، وجنود يركضون تصوِّرهم مصابين. والصورة الأساسية الكبيرة، هي لإمام في غزة يخطب على المنبر حاملا سكيناً داعياً لذبح الإسرائيليين، مع أني ذكرتُ للصحفية الحاخام الذي وجّه أيضاً رسالة تدعو لقتل الفلسطينيين. في حالة صحف أخرى لم ينشر الحديث (حتى الآن على الأقل).
في حالة "نيويورك تايمز"، فإنّ عنوان الخبر أعلاه، والذي نشر على الصفحة الأولى، لم يذكر أبداً قصص الفلسطينيين. لم تذكر الصحيفة، مثلا، قصة فادي علون، ابن التاسعة عشرة، الوسيم الذي يحب التسريحات الحديثة، وصور "السلفي"، الذي يزعم الإسرائيليون أنه حاول الطعن، وينكر شهود عيان وعائلته ذلك. والأهم هو الثابت أنه كان محاصراً بالناس ويمكن اعتقاله. كما لا يُذكر مثلا أن أمه مُنعت من الإقامة في فلسطين والقدس، وبالتالي تعيش في الأردن مع شقيقه منذ كان في سن الثانية، بينما يأتي الأستاذ الأميركي (مستر ريتشارد لاكين) ليعيش في المدينة ذاتها. ولم تذكر "نيويورك تايمز"، أنّ الأستاذ داعية السلام الأميركي، يسكن في الجزء الغربي من القدس، الذي طرد أهله الفلسطينيون منه العام 1948، ولم يسمح لهم بالعودة، وأنّ بعض أصحاب البيوت الفارغة حتى الآن، يسكنون في أحياء ومخيمات القدس المزدحمة، كما في حالة أهالي عين كارم ولفتا، فضلا عن أبناء القدس الكثر المبعدين، والذين يُمنعون من بناء البيوت، وتسحب هوياتهم إذا سكنوا خارج المدينة لعدم وجود سكن، والذين لا يوجد لأبنائهم مدارس وصفوف دراسية كافية.
في الأثناء، وبينما يُفترض أن تكون معركة الإعلام على أشدها، نجد الخبر القادم من وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) معبرا دقيقا عن حالة الأداء الفلسطيني؛ فالخبر أنّه في مثل هذه الظروف هناك خلافات واحتجاجات أدت لاستقالة جماعية لعدد من أعضاء مجلس إدارة الوكالة احتجاجا على سوء الأداء.