"طقة على الحافر وأخرى على المسمار"

الصناع والزراع والمستثمرون في بلدنا يشكون لسنوات من تدهور الأوضاع وشبح الافلاس الذي يلاحقهم. مع اشراقة كل شمس يتجدد الامل لدى اصحاب الاعمال ويتمنى ابناء هذه القطاعات ومعهم الاردنيون جميعا ان يأتي الفرج وتتغير الاحوال. على غير ما يتمنى ويرجو الناس أن تأتي الرياح فتتبدل الاحوال من سيئ الى أن أسوأ. عام بعد عام لا يشعر المستثمر في الاردن الا بارتفاع الضرائب وزيادة كلف التشغيل وانسداد فرص التسويق والتصدير وانحسار خيارات المستثمر في انتقاء العمال والخبراء الذين يحتاج لهم. في كل عام وعند عرض الخطط والموازنات ومع تشكيل كل حكومة جديدة يستمع الاردنيون الى وعود قديمة بصياغة متجددة تتحدث عن الاعتماد على الذات وتشجيع الاستثمار وفتح ابواب التصدير ومساعدة المنتج الاردني في الوصول الى الاسواق العالمية بسلاسة ويسر. حتى اليوم لم يتحقق الكثير من الوعود التي اطلقتها الحكومات وانتظرها المزارع والصانع ولم تنجح استراتيجية جلب الاستثمار في تحقيق النهضة المرجوة ولا حل مشكلة البطالة التي تجاوزت معدلاتها كل التوقعات. غالبية ما قامت وتقوم به الحكومات في ميادين الزراعة والصناعة لا تعدو تمارين مبتكرة وبراقة في العلاقات العامة. في العام الماضي اطلقت الحكومة السابقة جملة من المصفوفات والحزم التي قيل انها ستعالج الازمات والاختناقات وتعاظم ارقام التعثر والافلاس في الصناعة الاردنية وبعض القطاعات الاخرى. على اهمية التدخلات وضرورتها الا انها خلت من وجود رابط وقاعدة مشتركة توجهها فجاء معظمها كإجراءات ترقيعية تهدف الى احداث تحفيز هنا وتلافي مشكلات اكبر هناك فخفضت اسعار الكهرباء لبعض المنشآت وخفضت لفترات محددة بعض الضرائب والرسوم كما حصل مع العقار. في الاردن اليوم لا احد يملك تفسيرا مقنعا لوجود مئات الآلاف من الاردنيين العاطلين عن العمل في الوقت الذي يستقدم فيه الاردن اضعاف اعداد العاطلين كعمال من الدول العربية والاسيوية. حتى وان وجد اطار تفسيري للظاهرة لم تقم اي من الحكومات او عقل الدولة المركزي واجهزة تخطيطها بأي جهد لإعادة هيكلة الثقافة والتعليم من اجل معالجة هذه المشكلة التي اصبحت مادة للتندر ومصدرا من مصادر الغضب والاحباط لدى مئات آلاف الشباب الاردني الذي يمضي نصف عمره بانتظار وظيفة تؤمن له حياة كريمة. في الزراعة والصناعة والخدمات ما يزال غالبية اصحاب العمل يفضلون استخدام العامل غير الاردني بحجج ومبررات يأتي في مقدمتها ضعف انتاجية العامل الاردني وارتفاع معدلات الغياب والتسرب من الوظيفة وغيرها من الاسباب. ايا كانت الاسباب والمبررات فإن من المستغرب استمرار تجاهل القائمين على التربية والاقتصاد وبناء الثقافة والانسان لهذه المعطيات. المشكلات التي يعاني منها القطاع الزراعي وقال الوزير بانها قد تقود الى الانهيار ليست وليدة اليوم ولا يمكن حلها بتخفيض 2 % من الضريبة المستوفاة على كراتين البيض فهي مزمنة وتتجدد كل عام. ولأنها مزمنة ومتداخلة فإنها تحتاج الى دراسة شاملة وخطط تنفيذية تغطي كافة الجوانب والابعاد. بالأمس صدر عن مجلس الوزراء قرارا بتخفيض رسوم تصاريح العمال الزراعيين. الحقيقة التي اذهلتني تتعلق بغياب الهدف الاستراتيجي وتضارب مثل هذا القرار مع جملة من السياسات والاهداف التي صرحت الدولة الاردنية بانها تتبناها. أتساءل ومعي الآلاف من الاردنيين عن علاقة تخفيض رسوم تصاريح العمال الاجانب بسياسة الاعتماد على الذات ومدى تأثير ذلك على فرص العمل التي يمكن ان يحل بها اردنيون بدلا من غير الاردنيين. نعرف تماما ان سياسات التحفيز تعني تيسير فرص العمل او جعلها اكثر صعوبة. أفهم تماما ان الغاية من هذا القرار هو مساعدة المزارعين على توفير عمال زراعيين لكن السؤال القائم يتعلق بمدى تأثير ذلك على توجيه الاردنيين نحو العمل بالزراعة. «الضرب مرة على الحافر ومرة على المسمار» سياسة إرضائية يقصد منها ان ترضي من يغضب وان تحظى برضا الجميع وهدفها الابقاء على الاوضاع كما هي فهي لا تحدث تغييرا ولا تحقق اهدافا. اتمنى على الاخوة الذين يؤمنون بأهمية الارضاء والاستمالة ان يراجعوا الاهداف الاستراتيجية التي اعلنت الدولة غير ذي مرة عنها ويتذكروا تصريحاتهم باننا على اعتاب نهضة وطنية تستند الى فكرة الاعتماد على الذات والعودة الى الزراعة. كيف لنا العودة الى الزراعة التي يديرها عمال غير اردنيين واسواق يهيمن عليها سماسرة من جنسيات عربية وآسيوية. أعتقد ان علينا الضرب على المسمار والتوقف عن ضرب الحافر ففي ذلك ابطاء لمسيرتنا نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات.اضافة اعلان