طلاق كبار السن.. هل هو بحث متأخر عن الاستقلالية؟

منى أبو صبح

عمان- فاجأت الستينية أم وليد أولادها بعد أيام قليلة من حفل زفاف أصغر أبنائها، فقامت بجمعهم في منزلها، قائلة “الحمد لله كبرتكم وزوجتكم، وكل واحد فيكم بنى حياته الآن، وبعد أن أتممت رسالتي على خير وجه، أطلب منكم أن تخلصوني من هذا الرجل (أبيكم)”.اضافة اعلان
لم يصدق الابن الأكبر، وهو طبيب وله ثلاثة أبناء ما سمعه من أمه في هذا العمر، لكنها عادت لتؤكد أنها ترغب في الطلاق من أبيهم، وعندما سألها عن السبب، أجابت بكل ثقة وقوة “لقد تحملته رغما عني أكثر من 40 عاما من أجلكم، دفعت الثمن من شبابي وصحتي وأريد أن أقضي باقي عمري في هدوء بعد كل هذه السنوات من المعاناة”.
وبعد مباحثات ومشاورات عدة، اتفق الأبناء على تحقيق رغبة والدتهم الملحة، وانفصلت عن زوجها، وانتقلت بإرادتها للعيش في شقة صغيرة كانت قد ورثتها من أهلها.
في حين يقال إن “طول العشرة” كفيل ببناء السعادة والتقارب النفسي بين الزوجين، وإلغاء الحواجز كافة بينهما، يبرز الواقع وجها آخر لعلاقة لم يزدها الزمن إلا تنافرا وشقاقا وبؤسا وجفاء؛ حيث يعد سن ما بعد الخمسين بشكل عام مرحلة مهمة في حياة الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة، فهي مرحلة النضوج الفكري، والقدرة على التحمل، إلا أن هذه المرحلة قد يصيبها خمول في الأحاسيس وتفتقر إلى النشاط العاطفي بين الزوجين، فعندما يكبر الأبناء وتهدأ عاصفة الحياة تبرد المشاعر تدريجيا، وتبدأ الانفعالات في التراكم لدى أي طرف لأنها تتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، ولا تضع حسابات العقل أمام قرارها، وفي بعض الحالات يكون هناك إحساس متنام لدى كبار السن بقرب النهاية، خاصة بعد زواج الأبناء.
طلاق كبار السن حالة خاصة جدا من حالات “الفشل الزوجي” وأكثرها إيلاما للنفس، نظرا للعشرة الطويلة ولوجود أبناء كبار وغير ذلك من الأمور.
أفنت الحاجة أم لؤي عمرها وشبابها وهي على ذمة رجل أنجبت منه ابنا وابنتين، تقول “انفصل عني زوجي بدون رجعة، فبقيت معلقة لا متزوجة ولا مطلقة، ولم يسمح أهلي بمجرد فكرة الطلاق، فالمطلقة تكون كالعار على أهلها ليس كالآن، فالمرأة مكتوب عليها التضحية والصبر”.
تتابع “وبعد أن كبر أبنائي وتزوجوا لم ينسوا يوما بري وإحساني كما ضحيت من أجلهم، أصيب زوجي بمرض، ورجع إلينا كي نعتني به، لكني أبَيت ذلك وطلبت الطلاق بعد رجوعه لكي أسترجع ولو جزءا بسيطا من كرامتي”.
الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد، يبين أن تراكم الانفعالات لدى أي طرف، أخطر ما يهدد العلاقات الزوجية، لأنها تتحول إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت، ولا تضع حسابات العقل أمام قرارها، وفي بعض الحالات يكون هناك إحساس متنام لدى كبار السن بقرب النهاية والرغبة في التخلص من أي ضغوط نفسية، واغتنام فرص الراحة والمتعة، لكن في أحيان أخرى نجد نوعا من المراهقة المتأخرة يصيب بعض الرجال، وللسبب نفسه، الإحساس بنهاية الرحلة، خاصة بعد زواج الأبناء.
ويضيف “ويحاول الزوج المسن البحث عن وسيلة تعيده إلى سنوات شبابه، فينفر من شريكة عمره إن كبرت ويرى في أي فتاة صغيرة إطالة لسنواته شبابه، هذه الحالات تستوجب تدخل الأبناء ومساعدة الآباء على إيجاد مشاريع مستقبلية تمنحهم الأمل وتمكنهم من الاستمتاع وتقبل المرحلة الحالية، كما أن الزوجات المسنات اللواتي يطلبن الطلاق لأسباب مختلفة يجدن في زواج الأبناء انتهاء لمسؤوليتهن، يمكنهن من التحرر من ضغوط وظروف عانينها”.
ويروي المسن أبو سالم قصته مع زوجته (طليقته الآن)، قائلا “هانت عليها العشرة بلمح البصر، أعترف أنني أصبحت سيئ المزاج في الآونة الآخيرة، لكنني معذور في ذلك، فلم أحتمل فكرة جلوسي في المنزل بعد التقاعد لمتابعة الأخبار، وترقب هاتف يرن أو جرس يقرع، وللأسف لم تحتمل زوجتي ظروفي هذه”.
يقول “اشتدت المشاحنات بيننا في الآونة الأخيرة، ورغم تدخل الأبناء والأقارب، إلا أنها أصرت على الطلاق، فلم يكن مني سوى تحقيق مطلبها هذا، والعيش وحيدا في هذه السن”.
يلفت استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان، إلى أن هدف الزواج هو تحقيق السكن والطمأنينة لدى الجنسين، ولذلك لا بد من حسن الاختيار قبل الزواج، وأن يتم الزواج على أسس صحيحة. وأكدت الدراسات أن أعلى نسب الطلاق تتم قبل الدخول، أي قبل إتمام مراسم الزواج، كما أن التسرع في الاختيار يأتي في المرتبة الثانية من حيث نسب الطلاق، وفي الأغلب كلما زادت مدة الحياة الزوجية قلت إمكانية أو نسب الطلاق.
ويضيف “مع ذلك، فإن هناك حالات الطلاق التي تحدث بعد فترة كبيرة من الزواج بمعنى حدوث الطلاق بعد عشر سنوات أو أكثر من ذلك، ولا شك أن ذلك يعود لأسباب عدة منها، عدم القدرة على التفاهم والتكيف بين الطرفين، أو تغير الظروف المالية والاقتصادية للزوج سواء من حيث تحسن الظرف الاقتصادي أو سوئه، وزيادة الأعباء المالية على الأسرة، نظرا لاحتياجات الأبناء، أو لطبيعة عمل الرجل وتغير نظرته لمواصفات الزوجة، أو تغير نظرة الزوجة إلى الزوج والحياة الزوجية والشعور بعبء إدارة الأسرة واحتياجات الأبناء، وأيضا عمل المرأة وتأثيره على الحياة الزوجية وفي بعض الحالات يكون لتدخل الأهل والأصدقاء أثر سلبي على الأسرة”.
وهنالك سبب رئيسي هو دور المجتمع ووسائل الإعلام في التأثير على صورة الأسرة وقيمتها الاجتماعية لدى كل من الرجل والمرأة، وفق سرحان، بحيث يشعر البعض بأن قيمته وحريته تكون عند الطلاق وأنه يمكن أن يكون أكثر حرية بدون (قيود الزواج).

[email protected]

munaabusubeh@