طلبة اليمن واستقلالية الجامعات

أعاد مجلس التعليم العالي، بقوة، فتح ملف استقلالية الجامعات، بقراره قبول جميع الطلبة الأردنيين العائدين من الجامعات اليمنية في الجامعات الأردنية الرسمية. هذه القصة اعتدنا عليها خلال السنوات الأخيرة، وأضحت أحد تقاليد سياسات القبول في الجامعات الرسمية؛ من طلبة الجامعات العراقية إلى طلبة الجامعات السورية، ثم الليبية والأوكرانية، وصولا إلى طلبة الجامعات اليمنية، والحبل على الجرار. وجميع هؤلاء الطلبة، للأسف، لم يحققوا معايير وشروط القبول في الجامعات الأردنية، وإلا لما غادروا البلاد وبحثوا عن فرص في جامعات أخرى.اضافة اعلان
في ورشة عمل نظمتها كتلة "مبادرة" النيابية يوم الخميس الماضي، بحضور وزير التعليم العالي ورؤساء عدد من الجامعات، طُرحت هذه القضية بقوة من باب ادعاء الوثائق والاستراتيجيات الرسمية صون استقلالية الجامعات، بينما الممارسات الفعلية على الأرض تفرض على الجامعات سياسات وقرارات تضرب باستقلاليتها عرض الحائط. وعلى الرغم من أن القرارات تصدر بضرورة الالتزام بمعايير القبول التي طُبّقت على طلبة الجامعات الأردنية، إلا أنه عمليا يدخل الجميع من دون معايير أو شروط. والمشكلة تبدو بشكل أكثر خطورة في بعض الكليات مثل الطب. فمعظم الطلبة الأردنيين الدارسين في الخارج لم يحققوا الحد الأدنى من شروط القبول في كليات الطب الأردنية، ولكنهم يُقبلون في معظم الحالات في هذه الكليات التي أصبحت تتكاثر مثل الفطر، للأسف، في الجامعات الأردنية، تحت وطأة طلب اجتماعي زائف، كما حدث العام الماضي في التعامل مع قضية طلبة طب عائدين في ظروف مختلفة من أحد البلدان؛ إذ عقد لهم امتحان قبول لم ينجح فيه منهم أحد، لكن مع هذا قبلوا جميعا في كليات الطب.
التشوهات العميقة في سياسات القبول الجامعي، تقود عمليا إلى أجيال مشوهة، وبالمحصلة إلى تشويه يلون مناحي الحياة كافة، حينما يصبح هؤلاء الطلبة أطباء ومهندسين ومعلمين وصناع قرار. لهذا، نحن لسنا بحاجة إلى المزيد من الاجتهاد لمعرفة أسرار الخراب والانحدار الذي يضرب مناحي الحياة العامة كافة.
قبل سنوات، سارع مجلس الوزراء، وليس مجلس التعليم العالي، إلى إصدار قرار بقبول نحو ألف طالب عائدين من اليمن وليبيا دفعة واحدة، تحت ضغوط شعبية. ما يفضي إلى أهمية إخراج سياسات التعليم من لعبة الضغوط السياسية والشعبية، كما لا يجب أن تخضع لإغراءات الشعبية. فمعظم هؤلاء الطلبة لم يذهبوا ضمن برامج ابتعاث وتبادل طلابي رسمية.
اعترف جيل كامل من وزراء التعليم العالي بأزمة الجامعات، وزادوا وفصلوا في أوضاع التعليم العالي. وقدم بعضهم مقتربات للحل، كما دعا بعضهم إلى عقد مؤتمرات إصلاحية. لكن لم يأتِ الحل.
سُرقت الجامعات الأردنية نتيجة فقدان استقلاليتها بالدرجة الأولى، في ضوء ضعف المؤسسات الدستورية القادرة على حماية استقلالية الجامعات. ولاحظنا كيف تم تفريغ الجامعات من مضمونها الاجتماعي، وأصبحت أكثر من يدفع الثمن. وبشكل رسمي، تمت عملية إعادة هيكلة الجامعات من دون إعلام ولا خطط، منذ العام 2006، منذ أن أخذت مؤسسات صنع القرار تعيد بناء الكوادر الأكاديمية والإدارية والقيادات بطريقة لا تخدم الإصلاح ولا التحديث، في الوقت الذي كانت أكثر ما تتحدث فيه عن إصلاح التعليم والجامعات.