طوق نجاة صندوق النقد الدولي: التحديات والفرص؟

من الحسنات القليلة لقرض الملياري دولار الذي ناله الأردن من صندوق النقد الدولي، أن ضوابطه ستساعد على كبح هدر الإنفاق العام الذي وصل نسبة 20 % من الموازنة، وستُلزم الحكومات المتعاقبة بانتهاج مسار اقتصادي مالي حاكم يضمن تخفيض العجز المزمن. ما يعني وقف نزعة ترحيل الأزمات الاقتصادية مقابل كسب الشعبية.اضافة اعلان
بخلاف ذلك، ستكون تكلفة تطبيق الإطار المرجع باهظة على النظام السياسي وسط احتقان شعبي، وفوضى خلاقة تعيشها المملكة منذ سنوات، قبل أن تتكشّف أمام تداعيات التغيير والثورات في المنطقة منذ مطلع العام 2011.
بموجب ضوابط القرض، على الحكومة تنفيذ سياسات "صعبة" طرحتها على الصندوق مقابل الحصول على أداة "ترتيبات الاستعداد الائتماني"، ضمن برنامج سيخضع لمراجعات ربع سنوية. بموازاة ذلك، وضعت حكومة فايز الطراونة برنامجا وطنيا لتصحيح المسار الاقتصادي والنقدي مدته خمس سنوات.
تتضمن السياسات المقترحة رفع أسعار التعرفة الكهربائية على مراحل و"بنسب كبيرة"، بهدف تقليص خسائر شركة الكهرباء الوطنية المساهمة العامة، والتي تغطّى من الموازنة، نتيجة ارتفاع تكلفة استيراد الوقود عقب تكرار انقطاع إمدادات الغاز المصري.
وستُرفع تعرفة الديزل والبنزين بشقيه (أوكتان 90 و95)، مع إصلاح سياسة الضرائب والإدارة الضريبية، بهدف تعظيم إيرادات الخزينة، في وقت لا يُتوقع أن تتجاوز نسب النمو حاجز 2.5 % هذا العام، نتيجة تباطؤ وتراجع العديد من القطاعات لعوامل داخلية وخارجية ضاغطة.
أصحاب القرار –وغالبيتهم يعيشون في حالة إنكار– سيجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه خلال مرحلة الانتقال الاقتصادي. إذ عليهم التعامل مع غضب المواطن الذي سيدفع ثمن رفع الأسعار والتضخم في غياب مظلة فعّالة لحماية المستهلك في بلد يعاني من ثنائية الفقر والبطالة، ويشكو سكانه من استمرار التهميش السياسي، مع إصرار السلطة على طي ملفات الفساد والمفسدين ومنع قيام دولة القانون.
وعليهم التعامل، أيضا، مع رقابة صندوق دولي يقف بالمرصاد لأي محاولة حكومية للتحايل على تنفيذ بنود الاتفاق، تحت طائلة وقف صرف الدفعات المتبقية. ووقف تدفق الدفعات إلى خزينة عاجزة، سيفجّر أزمة أكبر، قد تطيح بما تبقى من الاستقرار الاقتصادي وصلابة القطاع الخاص المترنح تحت إغلاق منافذ سورية والعراق، في بلد تمادت حكوماته في الإنفاق العشوائي، وتطبيق سياسات "رعوية عنيدة" منذ تخرّج العام 2005 من برنامج إصلاح اقتصادي دولي استمر حوالي عقدين.
يفاقم الوضع في المشهد الداخلي الصعب غياب شروط سياسية مرنة لتقليل آثار الضرر من اتباع سياسات تستهدف -بحسب بيان الصندوق- "الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي من خلال تنفيذ سياسة للمالية العامة، وسياسات نقدية وهيكلية من شأنها التصدي للتحديات الداخلية والتقلبات الخارجية وتعزيز نسب نمو مرتفعة". ومن بين هذه الشروط/ المتطلبات:
- وجود حكومات تحظى بالحد الأدنى من ثقة الشعب، وليس فقط الرضى الموسمي للنظام والأجهزة المتنفذة، والنخب المستفيدة.
- برلمان يتمتع بشرعية عالية يدعم توجهات الحكومة وسياسات برنامج التصحيح الاقتصادي بين العامين 2012-2015، ولجان مالية رقابية في مجلسي النواب والأعيان "تقعد للحكومة على ركبة ونص".
- إعلام محترف مهني، قادر على الوصول إلى الخبايا والمعلومة بدون تزييف، لشرح القرارات الصعبة بإيجابياتها وسلبياتها، ووضعها في سياقها الموضوعي بعيدا عن وتر العاطفة المثير لغرائز الشارع، مثل نغمة "الغني الجشع والفقير المسحوق".
- تعاون القطاع الخاص المترنح -المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي المستدام- رغم الركود وتقلص المشاريع الرأسمالية لصالح النفقات الجارية.
- ضمان خطاب رسمي قادر على  إقناع جميع الشركاء بقبول حجم التضحية، عبر مشاورات وممارسات تعكس تغيير آلية صناعة القرارات، وتُظهر رغبة حكومية صادقة في إعادة النظر في بنود الموازنة، بحيث تصبح المساءلة والمكاشفة جزءا مهما في المعادلة.
بالطبع، على الحكومة أن تجيب عن العديد من الأسئلة الملّحة ومنها: آلية وضع تعرفة طاقة شفافة وقابلة للاستمرار بدون تحميل الخزينة فروق الأسعار؛ وتبيان حجم الإيراد المتوقع من وجبات رفع الأسعار وأبواب استغلالها لتغطية العجز ووقف الهدر؛ وأسلوب التعامل مع قضية التهرب الضريبي وفرض ضرائب جديدة تصاعدية على قطاعات جديدة؛ وكيف سيتغير أسلوب الإنفاق عما كان عليه، وطرق معالجة ترهل القطاع العام الذي يقضم ثلث الإيرادات لتغطية أجور ومعاشات 800 ألف مواطن بين موظف ومتقاعد مدني وعسكري؟ وكيف سيتم التعامل مع الدعم العشوائي للعديد من السلع، وضمان وصول الدعم البديل إلى مستحقيه بعد إخفاقات تجارب آلية الدعم السابقة، من خلال اختراع "كوبونات الفقراء" و"بطاقات الدعم الذكية" وغيرها؟ وكيف ستتعامل الخزينة مع تنامي حجم الدين الخارجي نتيجة القرض الجديد؟ وهل تتوافر النوايا لإعادة النظر في موازنات الأجهزة الأمنية والموازنات الخاصة، وإخضاعها لمزيد من الرقابة؟ وكذلك، مدى جدّية حل الهيئات المستقلة التي نبتت خلال السنوات الماضية على حساب موازنة الدولة بحجة تجاوز البيروقراطية؛ ومن سيضمن تقليل تأثير الصدمات الخارجية على الاقتصاد الأردني؛ جوهر برنامج الإصلاح الاقتصادي الدولي الذي طبّق لعقدين بدون أن ينجح في حماية الاقتصاد، مثلما اكتشف الأردنيون لاحقا؟ وهل من آلية لحماية قطاع السياحة المتعثر نتيجة الاضطرابات في الإقليم، وزيادة حوالات المغتربين والاستثمار الأجنبي المباشر؟
في الأثناء، يعبر الأردن، حكومة وشعبا، نفقا اقتصاديا عجافا، يزيد من صعوبته تحدي المتغيرات السياسية في المحيط. وسيضطر المواطن إلى تغيير أنماط الاستهلاك المدعوم بنظام دعم عشوائي ساوى بين فئات المجتمع، وعكس ممارسات دولة تنتمي إلى نادي دول الخليج الغنية بالنفط. ويؤمل بصحوة مجتمعة توقف الانفجار السكاني، وسط تقارير بفشل خطط تنظيم النسل.
وستضطر الدولة إلى تبني سياسات تقشف اقتصادي ومالي قد تثير حساسيات من الناحية الأمنية والسياسية، ربما تتجلى في صورة فوضى.
ويبقى السؤال الأهم: هل يشجع مزيج التحديات الاقتصادية والسياسية القادمة صاحب القرار على التدخل شخصيا لوقف المفاضلة بين الإصلاح السياسي والاقتصادي؟ وهل سيقتنع العصب السياسي الأمني بأن فرز برلمان سياسي قوي، يشرّع ويراقب، وحكومات تحظى بثقة برلمانية، وإعلام غير مدجن، سيصب حتما في مصلحة النظام السياسي، وضمان الأمن والاستقرار، كما يساعد على تمرير خطة الانتقال الاقتصادي؟ أم سيتواصل الإصرار على إجراء انتخابات تشريعية نهاية العام على أساس قانون انتخاب "متخلف"، قوامه الصوت الواحد زائد 27 مقعدا لقائمة وطنية مغلقة؟ وهل ستجرى انتخابات في ظل إصرار جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من القوى السياسية والمجتمعية على مقاطعة الانتخابات؛ المفترض أن تعزز الجبهة الداخلية المنقسمة، وتوفّر طوق نجاة للنظام السياسي؟