طيبة القلب ذريعة يختبئ خلفها كثيرون

يحيل كثيرون سبب إخفاقاتهم لطيبة قلبهم - (أرشيفية)
يحيل كثيرون سبب إخفاقاتهم لطيبة قلبهم - (أرشيفية)

ربى الرياحي

عمان- يشعر كثيرون أنهم لم ينالوا كل ما يستحقونه في هذه الحياة وينظرون إلى كل الذين تجاوزوهم نظرة استهانة واستنكار، فهم من وجهة نظرهم الشخصية تنقصهم الثقافة والوعي والعلم والكفاءة ولأنهم لا يجدون ما يبررون به شعورهم هذا، فإنهم سرعان ما يحيلون الأمر إلى طيبة قلوبهم التي سمحت لمن حولهم أن ينتزعوا منهم مكانتهم بحثا عن التميز ورغبة في إثبات ذواتهم.
لكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك الشعور حقيقيا، فهو في معظم الأحوال قد يكون تبريرا للهزيمة لا أقل ولا أكثر ربما لأننا نرفض فكرة الاعتراف التي تقود في النهاية إلى قراءة الأسباب بموضوعية ومن ثم الاستعانة بمقومات تضمن لنا الحق في ملامسة أحلامنا وتحويلها إلى واقع بعيدا عن الطيبة الزائفة التي نفضل أن نختبئ خلفها هاربين من عجزنا وتقصيرنا أمام نجاح الآخر وطموحه اللامتناهي.
اقتصارنا على رؤية الأشخاص الذين استطاعوا أن يحجزوا لأنفسهم مكانا مميزا في المقدمة من زاوية واحدة وتحديدا تلك الزاوية التي احتفظت بأسوأ ملامح شخصيتهم القديمة معتقدين أنها لن تتغير أبدا وستبقى ملازمة لهم دوما مهما كانت المحاولات جادة وحقيقية يدفعنا إلى أن نكون متحيزين لسلبياتهم وإلى الجزء المعتم من حياتهم معتبرين أنه من الصعب أن يتطوروا للأفضل وأن هناك فوارق كبيرة بيننا وبينهم تمنعهم من التفكير ولو قليلا بضرورة تخطيها ليصبح بإمكانهم تحقيق كل ما يحلمون به.
إصرارنا الغريب على تذكر الصور القديمة لبعض الأشخاص الذين نعرفهم منذ زمن طويل يجبرنا حتما على أن نبقى في أماكننا بدون أن نتقدم خطوة واحدة للأمام وبالتالي نخسر الكثير من الفرص التي قد تجعلنا نوازي طموحهم وربما أكثر من ذلك بكثير لنكون كما نريد نحن لا كما يريدون هم رافضين السماح لهم بأن يتجاوزونا بحجة أننا أقل منهم حظا أو أننا ضحية الطيبة التي تفقدنا الرغبة في بذل الأفضل، في حين أننا لا نرى ذلك في من لا نعرفهم من قبل ربما لأن رؤيتنا الراهنة لهم بكامل نضجهم تجبرنا على أن نشيد بخبرتهم وكفاءتهم حتى وإن كنا نجهل صورتهم القديمة وصفاتهم السلبية التي قد تنتزع منهم هذا الامتياز. لذلك نجد أن عجزنا عن ترويض أنفسنا وعدم قبولنا لنجاح الآخر يقودنا حتما إلى البحث عن أي نقطة ضعف من شأنها أن تجردهم من قدراتهم وتجعلهم هدفا رئيسيا لسخرية أولئك الأشخاص الذين يدعون الطيبة هربا من تساؤلات قد تكشف حقيقة ضعفهم وتخاذلهم محاولين إقناع أنفسهم بتبريرات وهمية إرضاء لمشاعرهم وينسون أن كل شخص منا لديه الحق في تجميل ملامحه وتحديث أفكاره وقناعاته بما يتناسب مع متطلبات النجاح وإثبات الذات.
ولأننا لا نريد أن نستبدل صورتهم القديمة بصورة جديدة أكثر رغبة وإرادة وطموحا، فإننا نقرر أن نحاكمهم بأثر رجعي يلغي تماما كل ما حققوه من نجاحات تقضي بمنحهم البراءة من تلك المرحلة الاستثنائية التي تختزل بجدارة ضعفهم وخمولهم وتقاعسهم قاصدين من وراء ذلك كله تمزيقهم وتثبيطهم وكأن الزمان توقف عند ذلك الجزء المظلم من حياتهم، مستدعيا أسوأ صفاتهم لتكون حجة قوية على إدانتهم واتهامهم بالعجز حتى وإن نجحوا في إثبات العكس لعل ذلك يجعلهم يطمئنون قليلا، معتبرين أن سبب خيباتهم وهزائمهم راجع بالدرجة الأولى إلى تخاذل حظوظهم، الأمر الذي يضعهم في أزمة حقيقية مع أنفسهم تمنعهم من أن يحدثوا ولو تطويرا بسيطا يحررهم من تتبع الآخر ومراقبة تحركاته منتظرين تعثره وسقوطه لكن قدرته على المقاومة والاستمرار تخلق لدينا بالطبع شعورا خفيا بالغيرة تترجمه غالبا مبرراتنا القاسية والتي تصر على التقليل من شأن الآخر وجهده غير مقتنعين بفكرة التغير والتجديد وبناء الذات بطريقة تجعلنا أكثر تميزا ونجاحا.
وهنا يجب أن نتساءل متى سنستطيع تخليص طيبة القلب من ذرائع الإخفاق تلك؟ ومتى سيصبح بإمكاننا خلق بيئة تنافسية تمنحنا الفرصة لتحقيق كل ما نصبو إليه عوضا عن ربط إخفاقاتنا بطيبة القلب المزعومة محاولين التهرب من الانكشاف أمام خيباتنا.

اضافة اعلان

[email protected]