عائلاتهم.. وعائلاتنا

قبل ايام نشرت النيويورك تايمز مقالا يشير إلى أن غالبية الدعم الذي يقدم للمرشحين للمواقع السياسية يأتي من تبرعات تقدمها 1500 عائلة أميركية؛ ومع ان حملات باراك اوباما كانت استثناء قد لا يتكرر من حيث اعتمادها على دعم الشباب وتلقي التمويل من الطلبة والعمال الذين التفوا حول شعار "نعم نستطيع"، إلا أن المنافسات اليوم بين الأثرياء والمشاهير وعائلات الإقطاع السياسي في الولايات المتحدة أخذت تلفت الأنظار.اضافة اعلان
فعلى الجانب الديمقراطي تتصدر هيلاري كلينتون سيدة البيت الابيض السابقة لثماني سنوات (1992-2000) السباق الدي يقيمه الحزب الديمقراطي لاختيار مرشح الحزب، فقد نجحت السيدة التي وقفت إلى جانب أكثر الرؤساء الديمقراطيين نجاحا في خفض البطالة وتصحيح العجز وإدارة شؤون البلاد منذ عقود‘ في الإفادة من تجربة زوجها الذي بقي يتمتع بشعبية استثنائية بالرغم من الفضائح التي كادت أن تطيح به، واستطاعت أن تثبت قدرة استثنائية على الاشتباك مع القضايا المحلية والدولية بكفاءة قل أن تجدها في ساسة هذه الأيام.
على الجانب الجمهوري يتنافس جيب بوش الشقيق الأصغر لجورج دبليو بوش والابن الأصغر لجورج بوش الأب اللذين قادا الولايات المتحدة لاثني عشر عاما تورطت خلالها في قضايا الشرق الاوسط والخليج العربي بشكل خاص تورطا لم تسبقها له إدارة أخرى عبر تاريخ الإدارات الأميركية التي زاد عددها على الأربعين.
جيب بوش لا يمتلك الكثير من الكاريزما التي يتحلى بها منافسه الأقوى البليونير الجريء دونالد ترمب الذي لا يجد ضيرا في أن يقول كل ما يعتقد الساسة أن من غير الحكمة قوله حتى إن كان صحيحا.
الظاهرة التي يشهدها الغرب وأصبحت ملفتة للنظر هذه الأيام ليست غريبة على مجتمعنا؛ فبالرغم من تعدد الخلفيات الديمغرافية والجغرافية والاقتصادية الاجتماعية والعرقية لمكونات مجتمعنا السكانية إلا أن عددا من العائلات كانت وما تزال تستحوذ على بعض المواقع المهمة في الدولة، فقد حصل أن تولى موقع رئاسة الحكومة أكثر من أربعة أشخاص من نفس العائلة وشقيقان، وتولى مهمة الوزارة أشقاء وصل عددهم إلى ثلاثة أشقاء في أكثر من ثلاث حالات وأب وابن في أكثر من عشرين حالة.
من بين كل الحالات التي حل فيها الأبناء في مواقع شغلها الآباء تبرز حالة رئيس الوزراء الكندي الجديد جوستين تراودو الأكثر غرابة وإثارة للاهتمام؛ فالشاب الذي كان عازفا عن دخول السياسة أيام ولاية والده قرر أن يحاول بعد رحيل والده عن الدنيا بسنوات، وشق طريقه بنفسه غير معتمد على إرث والده حيث اختار الترشح في مقاطعة تقيم فيها الأقليات ليعبر عن معاناتهم وهموهم وليحافظ على مقعده ويتولى قيادة الحزب الذي مني بخسارة فادحة في الانتخابات التي سبقت الأخيرة.
تجربة الرئيس الشاب تتشابه مع تجارب عائلاتنا السياسية في الشكل لكنها تختلف في المضامين؛ فهو يحمل رؤية غير تقليدية تتجاوز الواقع، رؤية تعترف بإسهامات كل الكنديين الذين جاءوا من جنبات الدنيا في بناء المجتمع، وتؤكد على حقوقهم في المشاركة والحرية والكرامة. الرؤية التي يحملها الرئيس الجديد تولّد الأمل وتبدد الكثير من المخاوف التي استولت على قلوب وعقول الأقليات في السنوات الاخيرة.
في بلادنا يُختار الأبناء لخلافة الآباء ليس من أجل التجديد بل لمزيد من المحافظة والتسكين. بعض الذين حلّوا في مواقع آبائهم وأجدادهم وأشقائهم بالغوا كثيرا في  معاداتهم للتغيير وعرقلة الإصلاح لدرجة تدفعك للترحم على الآباء وتدعو لمن ما يزالون على قيد الحياة بطول العمر.