عائلات تعيد إهداء الهدايا كوسيلة للتوفير

تغريد السعايدة

عمان- أهدت أم يارا جارتها هدية “طقما فاخرا من اواني المطبخ” بمناسبة تخرج ابنها من الجامعة، ولم تمض أشهر حتى وجدت ذات الهدية في بيت شقيقها الذي أنجبت زوجته مولوداً، لتقع في استغراب وضحك في ذات الوقت، ولكن دون أن تخبر شقيقها والموجودين عن الحادثة.اضافة اعلان
وتقول أم يارا إن السبب الذي كان وراء مشاهدتها للهدية هو أن الجميع استغرب أن إحدى الصديقات أحضرت لها طقماً من الأواني على الرغم من أنها مناسبة “ ولادة”، ما دفع بزوجة شقيقها أن فتحت الهدية أمامها حتى تشاهدها، فالتزمت الصمت ولم تخبرها عن السبب، احتراماً لزوجة شقيقها ولصديقتها التي أهدتها هذه الهدية.
هذه الظاهرة التي يرى فيها كثيرون أنها صفة في المجتمع بشكل عام، وتنتشر في مجتمعنا الأردني بشكل لافت، على الرغم من انحسارهاً قليلاً عما مضى، كما تعتقد إيناس موسى، وهي ربة منزل وتتبادل الهدايا مع معارفها  وأصدقائها والجيران والأقارب، ومن خلال هذه العلاقات استطاعت الحكم أن الظاهرة في السابق كانت أكثر انتشاراً وشهدت الكثير من تلك الحالات عندما كانت في بيت الأهل قبل الزواج.
وتبين موسى أن والدتها كانت تحتفظ ببعض الهدايا التي تأتيها في المناسبات المختلفة على العائلة، ونظراً لتوفر كمية كبيرة لديها من الهدايا كانت تحتفظ بجزء كبير منها لتقوم بإهدائه للآخرين من أقارب وجيران وصديقات لها، وكانت موسى تقوم بنفسها بـ”تغليف الهدية مرة أخرى” من أجل أرسالها لمن لديهم مناسبة “فرح” أياً كانت.
ولكن ما كان يزعج موسى هو أن والدتها تحتفظ بالهدايا القيمة والمميزة لتقوم بإرسالها لآخرين، وكانت تنصح والدتها بأن تقوم بالاحتفاظ بها في المنزل واستخدامها، إلا أن والدتها كانت تحاول أن توصل رسالة للاسرة بأن هذه الهدايا الفائضة عن الحاجة قد تكون سبباً مباشرا في التخفيف من العبء المادي على الاسرة مع مرور الوقت وعدم اضطرارها إلى شراء هدايا جديدة للآخرين.
وتعتقد موسى أن الوضع الاقتصادي للأهل في السابق كان سبباً في حدوث هذه الظاهرة، فالعائلات كان لديها عدد كبير من الأبناء، والمناسبات دائمة الحدوث، بالإضافة إلى أن الهدايا كانت أغلبها عينية وليست مادية، لذلك كانت تحرص ربات البيوت على الاحتفاظ بالفائض من الهدايا لتقديمه مرة أخرى وتوفير مبالغ مالية أضافي.
وكغيرها من ربات البيوت، كانت أم رائد، تقوم بذات العملية، وهي ام لسبعة ابناء وبنات، وكان الأهل والاقارب والجيران يقومون بتقديم الهدايا العينية لها في كل مناسبة “ نجاح، تخرج، زواج” بمجموعة كبيرة من الهدايا، وكانت بالفعل فائضة عن الحاجة لديها، ولا تنوي استخدامها في البيت، لذلك فقد كان من الأنسب أن تحتفظ بها لتوزيعها كهدايا على الآخرين في المناسبات.
ومن المواقف الشخصية التي حدثت لها في مجال “ تبادل الهدايا”، فقد اشارت إلى أن إحدى الهدايا المميزة التي قامت بإهدائها لإحدى قريبات زوجها، التي تسكن بالقرب منهم وتربطها بها علاقة صداقة قوية، كانت قد رأتها في بيت صديقة أخرى تقطن في محافظة أخرى، وعند سؤالها عن مصدر الهدية قالت إنها من “فلانه” أحضرتها لها خصيصاً من خارج الأردن!!، ما أحدث لها صدمة قوية، وقالت في نفسها “شو كان رح يصير لو ضلت الهدية لبيتي”، على حد تعبيرها.
قصص كثيرة يمكن أن تحدث في كل بيت حول هذ الظاهرة، وهذا ما تؤكده اسماء جميل، فهي مذ كانت طفلة في بيت الأهل وهي تلحظ هذه الظاهرة إلى يومنا هذا، حتى أصبح هذا الأمر اعتيادياً وغير مستغرب بين العائلات، ولكن ما كان لا يعجبها في هذا الموضوع تحديداً، هو إعادة أهداء هدايا الحلويات والشوكولاته، كونها مرت بتجربة “غريبة ومضحكة” في إهداء أحدهم علبة شوكولاتة لوالدتها وعندما قررت الوالدة أن تفتح العلبة للأسرة، تبين أن مدة صلاحيتها منتهية، ولا تصلح للأكل.
لذلك، ومنذ ذلك الوقت تحاول أسماء أن تكون منصفة في حق نفسها وغيرها من الهدايا، ولا ان تحتفظ بما تراه مناسباً لبيتها، فالهدية كما تقول “لا تُهدى” وتفضل أن تكون لها، إلا في حال انها كانت بالفعل فائضة عن الحاجة ويمكن أن تُهدى مره أخرى، وتفضل أن تهديها لأشخاص بعيدين عنها جغرافياً واجتماعياً حتى لا تقع في الإحراج كما يحدث للبعض من مواقف.
ومن القصص التي سمعتها أسماء من إحدى رفيقاتها حول هذه النقطة تحديداً، هو أن هذه الصديقة عندما تخرجت من الجامعة قامت إحدى قريباتها التي لا تربطها بها علاقة ودية بإهدائها هدية يمكن القول بأنها غير لائقة أو مناسبة لها، بحسب تقييمها لها، لذلك حرصت على المحافظة على ذات الهدية نفسها وإعادتها لقريبتها في مناسبة أخرى بأقرب وقت حتى توصل لها رسالة أنها لم تكن راضية عن الهدية واعادتها لها بطريقة “لائقة”.
الاختصاصية النفسية والتربوية الدكتورة خولة السعايدة، ترى أن المبالغة في تقديم الهدايا قد تشكل عبئاً على العائلات ويعتبر تبادل الهدايا نوعاً من التقليد والعُرف المحبب لدى الجميع، ولها دور في نشر المحبة والمودة بين الناس، ولكن بعيداً عن الإسراف في ذلك، لتتحول الهدية إلى هاجس يؤرق الشخص الذي يرغب بإهداء أحدهم في مناسبة معينة.
وتعتقد السعايدة أن التوافق واختيار الهدية المناسبة للطرفين، يجب أن يكون أسلوبا مُتبعا، إذ قد تكون المبالغة في الهدايا وتصنيف الأشخاص حسب الهداية سبباً لقطع الكثير من العلاقات الاجتماعية بين الناس والابتعاد عن المشاركة في المناسبات على اختلافها، وله أثر سلبي على التكاتف المجتمعي.