عائلات مصابي "كورونا": رعاية الأحبة تهزم الخوف من خطر العدوى

Untitled-1
Untitled-1

مجد جابر

عمان- في جائحة "كورونا"، تبدلت تفاصيل الحياة، وتغير شكل العلاقات، واختبر الإنسان كيف يكون التهديد بالخطر قريبا بسبب آفة تزرع الخوف في النفوس وتضع الجميع في مواجهة مباشرة معها، ليقف الإنسان عاجزا أمام "عزلة إجبارية" فرضت عليه.اضافة اعلان
مع كل ذلك، لم يستطع الوباء أن يؤثر على "الإنسانية" بأشكالها وأبعادها، وزاد خوف الفرد على أحبائه وشعوره المضاعف بقيمة وجودهم، ما يجعله يغمض عينيه عن كل شيء، ويكون همه الأول والأخير تقديم الرعاية والحماية لهم.
في كورونا، أصيب أفراد في داخل البيوت، في حين نجا البعض، ولكن ذلك لم يمنع الكثيرين من التفكير برعاية المصاب، وإن كان ذلك يعرضهم لخطر الإصابة بالفيروس، ولكن التضحية والإيثار كانا أكبر، خصوصا من لا يستطيعوا خدمة أنفسهم وتلبية متطلباتهم الخاصة، أو بسبب كبرهم بالسن.
هبة عبدالله هي الأخرى اختارت المكوث بجانب والدها بعد إصابته بالفيروس لرعايته وتقديم ما يلزم له والبقاء بجانبه لكي لا تستاء حالته، مبينة أنها كانت تعلم تماما أنها ستصاب، لكنها لم تفكر بالأمر بمجرد معرفتها بإصابة والدها الكبير بالعمر. وتضيف هبة أنه حتى لو كان قرارها خاطئاً طبياً، الا أن قلبها وضميرها وإحساسها بألمه جعلتها تفرغ ذاتها لخدمته، فوالدها لن يقوى على رعاية نفسه، ولا يمكن أن تتركه بهذا الموقف مهما حدث، لافتة إلى أنها حتى عند إصابتها بالفيروس ربما ستتحمل الأعراض، في حين لو حصل شيء لوالدها وهي ليست معه وبرفقته فإنها لن تسامح نفسها طوال العمر.
حاولت هبة أن تأخذ كل الاحتياطات اللازمة، ولم تنزع الكمامة، وكانت تستخدم المعقمات باستمرار، وهي سعيدة جدا أنها استطاعت خدمة والدها كما يجب، وهو تماثل للشفاء، وذلك كفيل بأن يجعلها تفعل كل شيء من أجله.
الخوف والقلق والمشاعر المتضاربة هي التي سيطرت على إسماعيل إبراهيم بعد أن عرف عن إصابة زوجته بفيروس كورونا وعدم وجود من يرعاها، وهو ما دفعه لأخذ قراره بحجر نفسه معها وتقديم ما يلزم لها، خصوصاً وأن زوجته لم تكن صحتها على ما يرام.
وبالرغم من علم إسماعيل بأنه سيصاب بالفيروس بمجرد رعاية زوجته، الا أنه لم يملك خيارا آخر، مبيناً أنه لا يستطيع أن يترك زوجته تعاني وحدها دون أن يرعاها أو يطمئن عليها.
وبالرغم من خوف والدته عليه كثيرا، الا أنه رفض ترك زوجته وحدها بهذه الظروف دون وجود من يهتم بها، لافتاً الى أنه أصيب بالفيروس مباشرة لكنه لم يشعر بالتعب الشديد، ما جعله يكون قادرا على رعاية زوجته ونفسه خلال هذه الفترة.
ولعل كثيرا من الأشخاص واجهوا هذا الأمر، وحتمت عليهم الظروف البقاء مع أشخاص مصابين لرعايتهم والاهتمام بهم وإن كان ذلك يعرضهم للخطر، ودافعهم تجاه ذلك إنساني وبحكم العلاقة التي تربطهم.
اختصاصيون اعتبروا أن طبيعة الإنسان ومشاعره ومسؤوليته تدفعه للتمسك بعلاقاته والتضحية من أجلها، لا يتنصل منها مهما كانت العواقب، لكن وإن اضطر لذلك، ينبغي عدم تعريض نفسه للخطر وأن يتخذ التدابير كافة اللازمة لتجنب إصابته بالفيروس.
خبير الأوبئة الدكتور محمد الطراونة، يبين صعوبة أن يتنصل الإنسان من هذه المشاعر الإنسانية، ففي حال أصيب شخص من العائلة وكان لابد لأحد الاعتناء به، فذلك يجب أن يتم وفق إجراءات معينة؛ أولها أن يتم اختيار شخص من العائلة صحته العامة جيدة ولا يعاني من الأمراض التي قد تؤثر عليه في حال إصابته، واتباع الإجراءات التي تحميه.
وعلى هذا الشخص أن يتبع الإجراءات الوقائية وهي لبس الكمامة، تعقيم الأيدي، مسح الأسطح، تهوية الغرفة بشكل مستمر، وأن يقوم الشخص بالواجب الذي عليه ومغادرة الغرفة بعد ذلك، مبينا أنه اذا كان المصاب يستطيع التنقل والقيام بقضاء احتياجاته الخاصة وحده، فيفضل أن يكون ذلك، كون كل هذه الإجراءات من شأنها تقليل انتقال العدوى.
ويشير الطراونة الى أن التعامل مع المريض ينبغي أن يكون بحذر، وعلى من يعتني بأشخاص مصابين أن ينتبه اذا ظهرت الأعراض الآتية عليهم: ارتفاع شديد في درجة الحرارة والتي لا تزول بخوافض الحرارة لمدة أكثر من 48 ساعة، أو آلام شديدة في الصدر التي يصاحبها صعوبة في التنفس، أو السعال المتكرر الذي يصاحبه مشحات من الدم، أو هبوط عام ونزول في ضغط الدم، أو الإرهاق والإعياء العام وعدم المقدرة على المشي، أو التشويش في التركيز والوعي، أو ميل الأطراف والشفاه الى اللون الأزرق، فإن ذلك يستدعي طلب العون العاجل، فهذه العلامات كلها تدل على التهاب رئوي.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، الى أن اختيار أفراد من العائلة البقاء بجانب مريضها له علاقة بالجانب النفسي والعاطفي والتفاعل الاجتماعي والمحبة والمودة، فكيف اذا كانت علاقة أخوة أو أمومة أو أبوة، فهذه مشاعر وعواطف تدفع الشخص بكثير من الأحيان للتضحية من أجل الآخر.
لذلك، فإن كل شخص يضحي بنفسه من أجل حماية وخدمة هذا المصاب لا يمكن لومه لأن الإنسانية والمبادئ القيمية والأخلاقية لا اختلاف عليها، لكن لابد من التعامل مع هذا الموقف بحذر وبالعقل والحكمة من دون إلغاء العاطفة.
لذلك، إذا حدث وقرر الشخص تعريض نفسه للخطر لابد من اتباع سبل الوقاية، مثل المحافظة على التباعد ولبس الكمامة ومراعاة الإجراءات كافة، بالتالي لا يوجد مشكلة من أن يلازم الشخص المصاب مع اتباع إجراءات الحماية كاملة، لكي لا تصيبه العدوى ويعرض نفسه للخطر، وهو الأمر الذي قد ينعكس سلبا على نفسية المريض الأصلي، وإحساسه بالذنب أن تسبب بأذية غيره.
ويبين أن الأضرار النفسية قد تكون كبيرة جداً ولا بد من مراعاتها في هذه المرحلة الحرجة من انتشار الوباء، وذلك لحين انتهاء هذه الجائحة وعودة الحياة الى طبيعتها.
وسُجلت أول من أمس (2576) حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد، وبذلك يرتفع إجمالي عدد حالات الإصابة في المملكة إلى (240,089) حالة، فيما يبلغ عدد الحالات النشطة حالياً (49,589) حالة. وسُجلت (46) حالة وفاة ليرتفع إجمالي عدد الوفيات إلى (3056) حالة.