عازبٌ والمسمى الوظيفي: زوج!

أنتَ عازبٌ. وتظنُّ أنّكَ نجوتَ من الخطأ الشائع بعد منتصف الثلاثين بقليل، تزهو كديكٍ طيّار بأنّكَ تستطيعُ السهر مع العزّاب بعد منتصف الليل بنهار، وتعتقد أنّ مجالكَ الحيويّ مغلق أمام الغارات الاستطلاعية، وهاتفكَ صامتٌ، ولا رنّة متوترةٌ، لحوحةٌ، مثل مروحة بيت جبليٍّ. تبتسم مستعيناً بلسانكَ، وبغمازة فاعلة، للأزواج الذين غادروا السهرة بين صلاة العشاء وصلاة المغرب، إلى قسم الطوارئ حيث الرضيعُ البكرُ المصابُ بحمّى الطهور، وإلى زيارة إلزاميّة للحماة العائدة من العُمْرة، وإلى وصلة استجواب عبر نافذة الباب الحديدي، وتفتيش يدويٍّ على عتبته، وتسليم المحفظة، والهاتف المحمول، وعطر نسائي منسيٌ على الكتف، في صندوق يمرُّ باضطراب القاتل تحت الأشعة السينية!اضافة اعلان
أنتَ عازبٌ. لكنّ الذين أخطأوا في الطرق السليمة وذهبوا إلى المأذون، مرة، ولدغتين، لا يريدونكَ منتصراً، وأنتَ تعرفُ أنْ لا حيلة للمكسور سوى الدعاء بالكَسْر. “أبو أحمد” سيدعو لكَ بـ “بنت الحلال”، التي توقظكَ برقة مرور الشمس من النافذة في السادسة صباحاً وتعدُّ لكَ إفطار الحصّادين، وتستقبلكَ على الغداء بالخبّيزة وخبز الطابون والزيتون. سيعدُّدُ لكَ بأصابعه الناشفة محاسن أنْ تكون لكَ كُنية، وأنتَ في السبعين، ويخبركَ أنّ كلّ النساء لهنّ وظائف “أم أحمد”، تصرُّ حبوب مميّعات الدم في منديلها، وإنْ سلّمتَ أمانتكَ تبكيكَ كالشتاء، وتذهبُ للحجِّ باسمكَ، وتزوركَ في المقبرة، وتوزِّع عن روحكَ الكعك والمغربية، وتحفظ بسوادها كنيتكَ من الغياب: أرملة “أبو أحمد”!
لا تصدّع رؤوسنا بأنكَ عازب وحُرٌّ بلا خاتم وتملكُ مفاتيح الخواتيم، وتزهو أنْ لا ختم وظيفيّ لعودتكَ الليلية المتأخرة. “المتزوِّجون” سيقصون ريش زهوكَ الملوّن، وفي جلسات “البابونج” سيتوقعون موتكَ كالكلاب في الرابعة والسبعين، ولن يمشي في جنازتكَ إلا الذين يمشون بثقل وراء أجْر الجنازات، سينزعونَ منكَ وهْمَ الرجل الشائع بين النساء، ويشيعون أنكَ تتخيّلُ أي قطة عرجاء امرأة تغويكَ بنصف رقصة، وفي جلسات “الزنجبيل” سيدور الحديث المفخّخ بالرموز عن قدراتكَ الذكوريّة، ولن تجد كلمة واحدة تستطيع حملكَ خارج دائرة الشكِّ، وإنْ تبجّحتَ بالحديث عن مغامرات جرت في السيّارة والخلاء، ستذهب نكتاً في موسم “الحلبة حصى”. لا تحاول إقناعهم في جلسات “الشاي الأخضر”، أنّ السعادة في كفكَ، ففي كفك الأخرى سيضعون كلمة “بابا”، وعليكَ أن تثني على اختيارهم للشرِّ الذي لا بدّ منه، الأجمل من نصف الخير!
قد يضجر المتزوّجون من عنادكَ، ويمدحون السعادة في كفكَ اليسرى، لكنكَ لن تكون سعيداً، لن تنعم بزهوكَ، فأنتَ عازبٌ وبيتكَ غرفة فندقية لصديقك الحَرِدْ، والهارب من طلائع الأسنان اللبنية، وزميلكَ الذي يبحث عن بديل مستورٍ للسيارة والخلاء، وينبغي لمحفظتكَ الجلدية المقشورة، ورصيدكَ الجاري على مَهْل، الاستعداد لأيّ ظرف طارئ يمرُّ على صديقكَ المنكوب، وجاركَ الذي يحفظ مدخلاتكَ، وإن اعتذرتَ فأنتَ ترمي مالكَ للبحر والنساء. وأنت عازبٌ، هذا يعني أنكَ شاهد الزور، والإثبات، لعشرة أصدقاء يطلبونك للشهادة بأنكَ كنتَ ترافقهم ساعة “وقوع جريمة” الغياب عن البيت، وأنتَ عازبٌ، لكنكَ لست مستثنى من مشروبات الأعشاب!
أنتَ عازبٌ، فلا تظهر للمتزوجين زهوك؛ بل قل شيئاً في مديح المبيت على عتبة الطوارئ بانتظار أن ينجو بكركَ من حمّى الطهور!