عالم أكثر تطرفا

ما آلت اليه نتيجة الانتخابات الأميركية الرئاسية، ووصول دونالد ترامب لسدة قيادة البيت الابيض، رغم ان استطلاعات الرأي  كانت كلها تذهب باتجاه منح منافسته هيلاري كلينتون تفوقا وبفارق كبير، تلك النتيجة، جاءت لتقول للعالم أجمع إن متغيرات كثيرة تحدث في الولايات المتحدة، وقطعا في العالم أجمع، وأن نتيجة تلك الانتخابات ستنسحب على انتخابات قادمة في دول وازنة.اضافة اعلان
الأميركيون رغم تصريحات ترامب المستفزة للرأي العام الأميركي تجاه المرأة، والسود، واللاتينيين، والمسلمين، وغيرهم من الأقليات التي تشكل الفسيفساء الأميركي، ذهبوا باتجاه التصويت لترامب وكأنهم يقولون للعالم إن المتغيرات التي حصلت في المجتمع الأميركي عميقة وجذرية ومتأصلة، عنوانها التشدد والتطرف أكثر.
فالأميركيون الذين صوتوا لترامب ومنحوه فوزا مريحا وساحقا على منافسته، كان حاديهم في ذلك إعجابهم بالتشدد الذي أبداه ترامب في خطاباته المختلفة، والتي كان ينظر إليها العالم بأنها تصريحات جوفاء، وتدلل على ضبابية في الأفق، وكذلك إعجابهم بالأفكار المحافظة التي سوّقها، فضلا عما كان يتحدث به حول وجود طغمة فاسدة في سدة الحكم الأميركي يتوجب التخلص منها، ومن ذيولها في كل مناحي السياسة الأميركية، فمثل تلك التصريحات تستفز الناخب الأميركي وتدغدغ عواطفه، وتجعله يذهب باتجاه ترامب أكثر من كلينتون، التي ينظر إليها باعتبارها جزءا من صنع القرار الاميركي طوال سنين.
أيضا وهذا المهم، فان ترامب غازل الناخب الأميركي في قوميته وتشدده وعزف على منظومة (أميركا أولا) ومن ثم فليذهب العالم إلى الجحيم، بمعنى أن ترامب كان يعرف كيف يفكر الداخل الأميركي، ولمس التغييرات التي حصلت مؤخرا، فذهب إليها بخطابات أكثر تطرفا.
الواضح ان ترامب كان يعرف ما يجري في الداخل الأميركي أكثر مما عرفت القيادة الأميركية الحالية، ولهذا لم يكترث كثيرا بما كان يقوله الرأي العام والصحف الكبرى واستطلاعلات الرأي التي تلقت ضربة موجعة، وبات عليها الدفاع عن مصداقيتها بعد أن وضعتها نتائح الانتخابات في ميدان التشكيك بحصافتها وفعاليتها ومصداقيتها واستقلالها.
تأسيسا لكل ذلك، فإن نتائج الانتخابات الأميركية كانت طبيعية وحتمية -وإن بدت مفاجئة- لكل حقن التطرف الذي بثه الإعلام العالمي بكل أصنافه وأشكاله، وبات عليه مراجعة طريقة خطابه الأخلاقي والإنساني، وملاحظة خطاب الكراهية تجاه الآخر، الذي باتت تحفل به الصحف العالمية بكل أصنافها، فنتيجة كل ذلك سيولد عالم أكثر تطرفا، وشوفينية، وقطرية، وقومية وانعزالية.
لا أعتقد أن أوروبا ستكون بعيدة عن محاكاة التجربة الأميركية، وأرى أن الانتخابات المقبلة في فرنسا وألمانيا ودول أوروبا الأخرى ستنتج ذات المنتج الأميركي، ولعل تصويت الإنكليز بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي قبل أشهر كان بداية الطريق نحو الانعزالية، التي يبدو أننا سنشهدها في المرحلة المقبلة في أكثر من مكان.
أما على صعيد فضائنا العربي والشرق أوسطي، فكالعادة يخطئ من يراهن على حقبة ترامب، فلن يكون هناك جديد في السياسة الأميركية، فالرئيس أوباما الذي أسمع العالم العربي والإسلامي خطابات شديدة التفاؤل عند وصوله للبيت الابيض، كانت نتيجة نهاية حقبته دعما ومساعدات للكيان الصهيوني غير مسبوقة في الإدارات الإميركية السابقة، بمعنى أن الإدارة الأميركية سواء في حقبة ترامب أو أوباما ستنظر للشرق الأوسط النظرة عينها، وأساسها مصلحة اسرائيل أولا، ومصالح باقي الدول المشرقية أدنى من ذلك بكثير، وستبقى أميركا تتعامل مع دولنا باعتبارها تابعة لتلك الإدارات وعليها مواصلة دفع الإتاوات لها، ولا تملك حق الاعتراض.
هنا لا نريد استباق الأحداث، فما قاله ترامب المرشح سيكون مختلفا عن كلام ترامب الرئيس، ولكن الحقيقة الواضحة والواقفة أمام ناظرينا أن العالم يذهب بقوة نحو التشدد والتطرف، وسيكون علينا معاينة ظهور خطابات متشددة أخرى تحاكي تشدد ترامب في دول أوروبية وازنة كألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول.