عالم بلا نظام!

ستظل حادثة الكابيتول علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، وسيظل الرئيس دونالد ترامب أغرب شخصية في تاريخ الرئاسة الأميركية، وسيظل يتحمل مسؤولية تحريض أنصاره على رفض نتائج الانتخابات، ومهاجمة مبنى الكونغرس، والعبث بمحتوياته في يوم حاسم يفصل ما بين الولاية الأولى لترامب الذي ما يزال يصر على أن الديمقراطيين قد زوروا الانتخابات، وبين الولاية الأولى للرئيس المنتخب جو بايدن أول رئيس أميركي ربما يواجه عدم تسليم سلفه بالنتائج، ويعرض النظام الديمقراطي، والأمن القومي الأميركي للخطر!اضافة اعلان
من كان يتصور أن يبلغ الأمر حد التفكير بعزل الرئيس قبل أيام قليلة من نهاية فترته الرئاسية، ليس بسبب موقفه وتحريضه لمن يصفهم السياسيون الأميركيون بالرعاع وحسب، بل تحوطا من أن ترامب يمكن أن يفتعل حربا، بعد أن فقد صوابه بحيث لم يعد مؤتمنا على «الرموز النووية»، ولم يعد هو أمينا من أن تطاله التحقيقات التي ستلاحق مسؤولين في البيت الأبيض وفي وزارة الدفاع، والأجهزة الأمنية.
مع ذلك يرى البعض أن ترامب قدم للنظام الأميركي من حيث لا يدري خدمة عظيمة عندما كشف المستور عن كل ما هو مقدس في الشرعية الأميركية، وربما قدم للرئيس الجديد حكمة بألف حكمة تدفعه إلى إعادة النظر بالمكانة الحقيقية لبلاده في عالم بلا نظام، عالم تتراجع فيه الأمم المتحدة ومنظماتها، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية إلى الخلف، عالم أصبح مرهونا للطبيعة والصفات الشخصية لقادة الدول الكبرى التي يمكنها حفظ السلم والأمن والتعاون الدولي، أو تدميره في لحظة غضب أو تهور أو جنون!
حتى الرئيس بايدن ورغم تعمده التحرك بخفة على كل المسارح التي وقف عليها وقت الانتخابات، ويوم إعلانه عن فوزه، ورغم ظهوره بمظهر الرجل الرياضي ذي العقل السليم لن يكون بإمكانه الهروب من عمره البالغ 78 عاما، وربما هو يسأل، ويسأل من حوله هل يمكنه ترشيح نفسه لولاية ثانية وهو في الثانية والثمانين من عمره؟
أميركا ستتغير حتما وهي في أشد الحاجة لنظام جديد، والعالم كله يحبس أنفاسه حتى يرى كيف سيكون الحال يوم العشرين من الشهر الحالي، وبداية حقبة جديدة من تاريخ أميركا التي مارست هيمنة القطب الواحد منذ سقوط جدار برلين العام 1989، وانهيار الاتحاد السوفييتي العام 1991، ووضعت وحدها شروط اللعبة الدولية – العولمة والديمقراطية وحقوق الإنسان والمناخ – وغيرها من الأدوات التي استخدمتها لفرض نفوذها بالقوة العسكرية والعقوبات وبالمعونات أيضا.
كم نحن بحاجة الآن لمن يقول لنا كيف سيكون حال العالم بعد سقوط «المقدس» في الدولة التي حكمت العالم منفردة على مدى ثلاثين عاما، هل سيكون بلا نظام أم بلا عقل؟