عام اللغة العربية

لو أن هناك حملة مؤسسية جادة تحمل على عاتقها هذا العام، هدفا ساميا جميلا يعيد اللغة العربية إلى مكانها ومكانتها، سيكون حقا عاما جديرا بالاحترام!اضافة اعلان
لن نطيل النظر في الأزمة الخانقة التي تعاني منها اللغة العربية، أو نمحص في الأسباب التعليمية والتربوية والاتصالية، لنزيد على الهم هما، بل علينا أن نفكر بشكل عملي كإعلاميين وتربويين وأكادميين وأهال، بضرورة إنقاذ لغة الموسيقى والجمال والسحر والخيال إلى سابق جودتها، وألق حضورها.
هناك موجات تظهر وتختفي على استحياء، وعلى حذر أحياناً، من أجل استبدال العربية الفصيحة باللغة المحكية الدارجة أو العامية، وهي في الحقيقة ليست سوى استكمال لمشروع مخيف، بدأ منذ سنوات طويلة، وتعرض لرفض وفشل بسبب حراس اللغة الباقين على قيد الحياة. إلا أن أصحاب المشروع ما يزالون مصرين عليه، ما يدل على أهمية وخطورة العربية في البنيان النفسي والثقافي والوجداني العربي.
البداية تكون من إنشاء حملة وطنية واسعة، تتبناها الأجهزة الحكومية، والخاصة والأهلية وتتقاطع مع رغبات حقيقية من قبل مهتمين من مجالات مختلفة، في قطاعات الاتصالات والتعليم والسياحة، لا تكون استراتجيتها قائمة فقط على المجهودات الإعلانية والإعلامية، والمؤتمرات الباذخة التي لا تقدم ولا تؤخر خطوة واحدة في الاتجاه الصحيح.
الحملة المطلوبة بشكل حثيث اليوم، يجب أن تشجع على القراءة، بل وتجبر عليها إن لزم الأمر! يجب أن تدعو إلى المزيد من الإنتاجات الثقافية والفكرية القريبة من الواقع المعاش، والهموم المطروحة على طاولة النقاش من قبل الجيل الحالي من شابات وشباب المجتمع، بمفردات سهلة واضحة صريحة ومباشرة، وعربية بضرورة الحال.
الحملة يجب أن تفرض فصولا مكتوبة أو منشورة عبر الوسائل الإلكترونية، على أساتذة ومعلمي المدارس والجامعات، تشمل قطاعات متباينة في الأدب والتاريخ والشعر والفن والعلوم، تبنى عليها نسبة محددة من درجات التقييم. كما يجب أن تشجع على الكتابة والقراءة، بالجوائز المالية والعينية المقدمة من قبل مؤسسات أهلية، تصرف أموالا طائلة على بنود الإعلان بدون دراسة أو تخطيط. فتقدم لنفسها وللمجتمع، عبر تلك المساهمات المجتمعية المهمة، خدمة جارية لن تبور بضاعتها أبدا.
إن اللغة هي الوجه الآخر للتفكير، وهي ليست ناقلا أو وعاءً بريئا أو مجرد مرآة عاكسة للاتصال والتواصل، وإنما هي منظومة تحمل أيديولوجية وطريقة حياة وتفكيراً وسلوكاً ومبادئ وأسساً، وهي كل متكامل لا نستطيع أن نفصله عن شخصية الإنسان ووجدانه.
هذا الأمر يدعونا إلى تسويق لغتنا العربية للشابات والشباب، بأنها لغة جاذبة وجذابة وتسحر كل من يتعاطى معها، ضمن محتوى مدروس وليس ثقيل الظل، كما يخشى جيل اليوم منه. وليس أدل على ذلك إلا ظهور بعض المدونين والناشطين الإعلاميين والكتاب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستغلال ثقتهم العالية في لغتهم الأم، يستعرضون من خلال مفرداتها ومخرجات أصوات حديثها، أنفسهم وثقافتهم وتأثيرهم في كثير من الأوقات.
إن متابعة الشباب لهؤلاء المهتمين بالظهور بشكل حضاري وحديث، لكن مع التمسك باللغة العربية كأداة للتعبير، هو مفتاح باب الدخول إلى ثنايا وجدان جيل العامية والحروب الفرونكو آربية، وإنارة المنطقة المظلمة في هويتهم المرتبكة.