عام بائس للعمّال..!

حتى العطلة، التكريم العملي الوحيد الذي قد يحتفي به العمال في يومهم، لم يعد لها معنى مع الوباء. فالكثير من العاملين يعيشون عطلة ثقيلة مطولة بسبب قيود «كوفيد». وكان العام الماضي قاسياً عليهم بطريقة فريدة. معظم الذين يعملون ما يزالون مهددين بفقدان وظائفهم في أي لحظة. والذين يعملون في المهن الحرة، مثل عمال البناء والباعة المتجولين وما شابه، لم يعملوا ولم يكسبوا كفاف يومهم معظم العام. والتجار الصغار تدهورت أحوالهم وأُحبطت تجارتهم. وهناك الذين ظلوا يعملون، وإنما الذين خُفضت رواتبهم أو منحوا إجازات إجبارية بلا رواتب أو بأقل من نصف أجورهم. وهناك الذين سُرِّحوا من عملهم وانضموا إلى صفوف العاطلين عن العمل المتضخمة بما يكفي مسبقاً، والأمهات اللواتي التحقن بها لأن مدارس وحضانات الأولاد مغلقة وليس هناك من يعتني بهم.اضافة اعلان
بطبيعة الحال، لم يصلُح يوم العمال في هذا العام لأي خطابات حماسية وغنائيات مدائحية في أي مكان. ولم تكن هذه الخطابات تُطعم خبزاً قبل الوباء أيضاً، لكنها كانت مناسبات للتقدير المعنوي، وبيع الأمل بتحسين واقع العمل والعمال. وفي الحقيقة، كان هذا الواقع في حالة سقوط حر منذ عقود، وجاء الوباء فقط ليزيد السيئ سوءاً. فبالإضافة إلى ارتفاع مطرد لمعدلات البطالة، ركدت الأجور بينما تضاعفت أسعار السلع والضرائب. وأضافت خصخصة التعليم والصحة والخدمات إلى عبء العاملين الثقيل أصلاً وتآكل مداخليهم.
في الأساس، كانت هناك الأسئلة الصعبة حول حصة العمال من عوائد الإنتاج. إنهم يفعلون كل شيء، ولا معنى لأي رأس مال من دون عملهم، لكنهم لا يكسبون سوى الكفاف، بينما يُراكم الرأسمالي الثروة. و، ما هي المؤهلات التي ينبغي أن تجعل العامل يصعد السُّلم الاجتماعي؟ هل صحيح أن المسألة تتعلق بمقدار المجهود المبذول وذكاء الاختيارات والهبات الطبيعية؟ وما هي فرصة الذي يضربُ في السوق باحثا عن عمل لمنافسة الذي يولد مليونيرا وتدير ملايينه نفسها بلا جهد أو كثير ذكاء تقريبا؟
العدالة للعمال مستحيلة، برغم كل النظريات عن عدالة التوزيع والغيظ من القلة الذين يستأثرون بالكثرة. لكن هناك أموراً أساسية تتعلق بمجرد البقاء على قيد الحياة نفسه. يجب أن توفِّر الحكومات لكل راغب فرصة العثور على وظيفة. ويجب أن ترسم خطة الاقتصاد بقصد رفاه أكبر عدد ممكن من مواطنيها، وليس أن تعيش الأغلبية عمرها كله في العناء وفقدان الأمن الاقتصادي واليقين والأمل في المستقبل.
الإنسان يدرس ويتعلم ليعمل. ويعمل ليتطوّر ويرتقي. وعندما يكد دون أن يحقق تحسنا ملموسا في نوعية الحياة أو لا يكون هناك أمل في تحسنها، فإنها تتحول إلى عبث محض. وإذا ساد شعور بعبثية العمل وأصبح غايته مجرد الوجود يوماً بيوم، فإنه يبهت ويتآكل ويشيخ. وشخصية البلد هي الشخصية الجمعية لمواطنيه. فإذا فقِروا فقِر. وإذا تعبوا تعب. وإذا فقدو الأمل أصبح بلا أمل.
لا يمكن أن ينجح مشروع وطني يُدام على أخذ حصة كبيرة من دخل عامليه في شكل ضرائب ورسوم وأثمان خدمات من دون أن يقابل ذلك بتأمين الأساسيات مجاناً أو قريباً من ذلك، وعلى رأسها التعليم والصحة والبنية التحتية. ولا ينبغي أن يدفع العاملون المستعدون غير الكسولين ثمن فشل السياسات في شكل فرار الاستثمار والافتقار إلى المشاريع التي تطلب عملهم. فذلك كفيل بصنع فائض في العمالة يجعل الناس مضطرين إلى العمل بأجور لا تقيم أودهم بسبب وفرة المعروض وشُحّ الطلب.
لا يمكن أن يبدأ شاب عائلة قابلة للاستقرار والديمومة بعمل دخله الشهري أربعمائة أو خمسمائة دينار. لن يتبقى من مثل هذه الدخول شيء بعد إيجار البيت أو قسطه البنكي، وفواتير الخدمات وكلف المواصلات، والعلاج. لن تنفع لتدريس الأولاد في المدارس الخاصة، ولن تُطعم خبزاً مع الأسعار المحلقة للسلع والحاجات الأساسية. وفي غياب قدرة الإنفاق تتعب الأسواق ولا تتحرك، وكل شيء يتأثر بكل شيء.
من المؤكد أن يحبط التخطيط الاقتصادي الضعيف أي إمكانية لغوث حكومي حقيقي للذين أوقف الوباء عملهم. وبعد الوباء، كما قبله، تبقى الحاجة وجودية إلى رفع قيمة العمل، وتوفير مستوى معيشة كريم للناس بوظائف متاحة، وقابلة للتطور ورعاية الأمل بغد أفضل.