عبابنة يحمل عبء المظلومين والشهداء

د. يحيى عبابنة - (من المصدر)
د. يحيى عبابنة - (من المصدر)

عزيزة علي

عمان- يستحضر يحيى عبابنة صور المظلومين والشهداء على حجارة الزمان ليحفظها في ذاكرة المكان وتزهر بالأمل.

اضافة اعلان

• أي الأمكنة التي تجتاحك رائحتها الآن، وترغب في أن تقضي عزلة مؤقتة فيها؟
هل من الضروري أن يعترف الإنسان بحنينه إلى الأحجار والتراب في مكان ما؟ أعتقد أنني لا أميل إلى مكان معين إلا بحكم النشأة فيه، حسنا.. أنا أحب إربد حبا لا يعادله حبّ، ولكن هذا لا يجعلني أكره مكانا بعينه، غير أن المكان الذي نشأت فيه وأحببته هو إربد.. هكذا نحن.. نحنُّ إلى مرابع الطفولة.. أماكن اللهو، أول ذكرياتنا مع الشباب، أصدقاء درجنا وإياهم في الحارات نفسها.. المكان الذي شبعنا فيه من خيره وجعنا فيه من حرماننا.. لقد درجت في إربد منذ الطفولة الأولى، وأيام المدرسة، وأحفظها عن ظهر قلب، وقد عشت مقيما في عدد من المدن الأخرى، ولكنني أرتبط بإربد رغم أنني أحببت القاهرة وينبع البحر وعمان والكرك.. لكنني لا أجد رائحتها كما أجد رائحة إربد التي ما أزال أعيش فيها إلى يومنا هذا.

• في مثل تلك العزلة، ثمة كتاب تحن إلى قراءته بهدوء، أي الكتب تود مرافقتك هناك؟
الإنسان بطبعه لا يحب العزلة، وأنا بطبعي أكره أن أكون معزولاً.. ولذا، فإنني إذا أحسست بالعزلة مفروضة عليّ فإنني أطرد شبحها تماماً عن طريق الصديق الذي لا يفارقني، وهو الكتاب.. أكثر ما أجد نفسي معه هو كتب اللغات السامية التي أهتمّ بها، ويأتي بعدها مباشرة ديوان من دواوين الشعر.. أتمنى الآن لو أنني أجد وقتاً للعزلة الممتعة لأقرأ "أرض السواد" لعبدالرحمن منيف، أو أي عمل روائي كبير.. كنت أشتاق إلى روايات العصر الرومانسي، لأجد نفسي مصابا بعدوى النص الذي كتبه فيكتور هيجو وأمسح دمعة حتى لا يراها الآخرون وأنا أقرأ "الوصية الحمراء" لكزافيه دو مونتبيان أو أي عمل من أعمال كبار الروائيين العرب أو الأجانب.

• في العزلة، نحتاج لصفاء تام. يقال إن الموسيقى تأخذنا إليه، فأي موسيقى تهدهد روحك هناك؟
لقد مررت في أحوال كنت أجد متعة كبيرة في الاستماع للموسيقى، العالمية والعربية، ولكن.. أين هي العزلة التي يمكن أن تسمح لنا بإعادة التجربة؟ كنا نسمع لأن السمع لم يكن في متناول الأذن دائماً..
فقد كنت مفتوناً بموسيقى الستينيات، أعني الموسيقى الرومانسية التي كانت قد برزت في تلك الحقبة، وما أزال إلى الآن أتمنى سماع مقطوعات رومانسية من
مثل قصة حب، أو مشاعر، وقد شجعتني موسيقى "زامفير" مرات لأعاود الاستماع لأنني أجدها تلامس الروح.. الحقيقة أنني كنت أستمع إلى الموسيقى الكلاسيكية الأجنبية يوما وأستغرق فيها، ومن هؤلاء كنت مفتونا "بموزارت"، وأما على مستوى الموسيقى العربية، فلا بأس من تذكر جيل العمالقة من الموسيقيين كعمار الشريعي ومحمد عبدالوهاب..
ولكنني الآن لم أعد أجد الوقت الكافي.. لا عن طريق عزلة مفروضة، ولا عن طريق رغبة دفينة في النفس تدفعني للاستماع.

• ما هي أجمل الصور التي تحب أن تراها في عزلتك؟
قد لا يكون المرء معزولاً إذا كان يرى صورة يحبها.. فقد تكون هذه الصورة هي من يفكُّ العزلة عن الإنسان، وقد تزيده عزلة أيضاً.. لكنني إذا ما أحسست بهذه العزلة، فإنني أستحضر صور من رحلوا بعد أن مثلوا أملاً كبيراً للأمة.. أستحضر صورة القائد "صدام حسين".. إنه لا يغيب عن ذاكرتي، كما أستحضر صورة الشهيد.. أي شهيد كبير.. أستحضر صور الشهداء الذين قضوا ظلما في العالم العربي كله.. وصورهم وقد قضوا في أماكن أخرى من العالم.. لا تغيب عن قلبي صورة المظلومين الذين وقعوا في خديعة المخادعين، صورة "يحيى عياش"، صورة "أبو علي مصطفى"، صورة "أحمد ياسين"، ولا أستطيع الاسترسال أكثر في سرد الأسماء، وأعتقد أنني سأتذكّر صوراً كثيرة لكثرة الذين وقعوا في أشراك الخائنين.

• ستكون وحيدا، لو جنت العزلة ورفضت بقاءك مع نفسك وكتابك وموسيقاك، فأي الأشخاص تختار أن يكون قريبا منك؟
لقد مررت بتجارب كثيرة تجعلني أفضّل العزلة على أن أمرّ بتجربة صعبة كبعض التجارب التي مررت بها.. الإنسان مجموعة كبيرة من العلاقات المتشابكة التي تجعلك أحياناً لا تثق بخلاصك من هذه العلاقات تخلصاً يحفظ عليك عواطفك وعقلك ومشاعرك.. ولكنني أحياناً أحس بأن المجتمع يفرض عليك سلوكاً يفك عزلتك عنوة.. إن هذا المجتمع يفرض علي أن أتعامل مع بعض عناصره، ولكن هيهات أن تتمكن هذه العناصر من فك عزلة إنسان فقد ثقته بالآخرين وانكسر قلبه.. أعد نفسي محظوظاً جداً لو أنني أستطيع استعادة زمن ما كنت أحلم فيه بصداقة شخص ما أراه كما أنظر إلى نفسي في المرايا.. بيد أن الأمور تميل في النهاية إلى الرضا بالفشل.. أجل.. إذا خلوت إلى نفسي وشعرت بالعزلة ولم أجد الكتاب الذي يخلصني مما تعافه روحي أو الموسيقى التي تجعلني أنسى مرارة عزلتي.. فإنني أفضل العزلة على هذا الشخص.

*أكاديمي، روائي وقاص صدر له العديد من الروايات والقصص والكتب النقدية.

[email protected]